وشَهِدت الملائكة بما علمت من عظيم قدرته، وشهد أولو العلم بما ثبت عندهم، وتبين من خلقه الذي لا يقدر غيره عليه، وفي هذه الآية بيان فضل أهل العلم، لأنه ذكر شهادة نفسه، ثم ذكر شهادة الملائكة، ثم ذكر شهادة أهل العلم. ثم قال تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فشهد بمثل ما شهد من قبل، لتأكيد الكلام.
وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، لكل حي من العرب صنم أو صنمان، فلما نزلت هذه الآية، أصبحت تلك الأصنام كلها قد خرت ساجدة.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٩]
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)
ثم قال ﷿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قرأ الكسائي إنَّ الدين بالنصب على معنى البناء يعني شهدوا أنه لا إله إلا هو، وأن الدين عند الله الإسلام، والباقون بالكسر على معنى الابتداء، ومعناه إن الدين المرضيَّ عند الله الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ في هذا الدين إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ يعني بيان أمر محمد ﷺ، وهم اليهود والنصارى، فلما بعث الله تعالى محمدًا، كفروا حسدًا منهم، هكذا قال مقاتل. ويقال: إنهم كانوا مسلمين، وكانا يسمّون بذلك، وكان عيسى- ﵇ سمى أصحابه مسلمين، فحسدتهم اليهود لمشاركتهم في الاسم فغيَّروا ذلك الاسم، وسُمُّوا يهودًا، وأما النصارى فغيرهم عن ذلك الاسم بولس، وسماهم نصارى، فذلك قوله: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ يعني غَيّروا الاسم حسدًا منهم ثم قال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ لأنه قد جاء في آية أخرى وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ [النحل: ٧٧] وقوله: سَرِيعُ الْحِسابِ يعني سريع المجازاة ويقال سريع التعريف للعامل عمله، لأنه عالم بجميع ما عملوا، لا يحتاج إلى إثبات شيء، وتذكر شيء. ويقال: إذا حاسب، فحسابه سريع يحاسب جميع الخلق في وقت واحد، كل واحد منهم يظن أنه يحاسبه خاصة.
[سورة آل عمران (٣): آية ٢٠]
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)
ثم قال تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ أي خاصموك وجادلوك في الدين فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ أي أخلصت ديني لله. وقال الزجاج: أن الله تعالى أمر نبيه أن يحتج على أهل الكتاب
1 / 201