قوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ، أي بالظلم وشهادة الزور. وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ، يقول تلجؤوا بالخصومة إلى الحكام. وقال الزجاج: تعملون بما يوجبه ظاهر الحكم، وتتركون ما علمتم أنه الحق. لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا، يعني طائفة مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ، أي باليمين الكاذبة وشهادة الزور. ويقال: بالإثم أي بالجور. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنه جور. ويقال: إنكم تعلمون أنكم تأخذون بالباطل.
وهذه الآية نزلت في شأن امرئ القيس بن عباس الكندي وعيدان بن أشوع الحضرمي، اختصما إلى رسول الله ﷺ فادعى أحدهما على صاحبه شيئًا، فأراد الآخر أن يحلف بالكذب، فقال رسول الله ﷺ: «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ وَأَرَى أَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ، وَأَنَّهُ لا يَرَى أَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ فَإِنَّما أَقْضِي لَهُ بِقِطْعَةٍ مِنَ النَّارِ» .
فنزلت هذه الآية فيهما، وصارت عامة لجميع الناس. وروى سعيد بن المسيب عن رسول الله ﷺ أنه قال: «شَاهِدُ الزُّورِ إِذَا شَهِدَ لا يَرْفَعُ قَدَمِيْهِ مِنْ مَكانِهِمَا، حَتَّى يَلْعَنُهُ الله مِنْ فَوْقِ عرشه» .
[سورة البقرة (٢): آية ١٨٩]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ. الأهلة: جمع هلال واشتقاقه من قولهم: استهل الصبي إذا صاح وأهلّ بالحج: أي رفع صوته بالتلبية. وكذلك الهلال يسمى هلالًا، لأنه يهل الناس بذكره أي يرفعون الصوت عند رؤيته وإنما سمي الشهر شهرًا لشهرته. وقال الضحاك في معنى الآية: إن المسلمين سألوا رسول الله ﷺ عن خرص النخيل والتصرف في زيادة الشهر ونقصانه، فنزلت هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ.
قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ، أي التصرف في حال زيادته ونقصانه سواء. قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت هذه الآية في شأن معاذ بن جبل، وثعلبة بن عنمة الأنصاري، لأنهما قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقًا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم ينقص؟! فنزلت هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ أي هي: علامات للناس في حل ديونهم وصومهم وفطرهم وعدة نسائهم ووقت الحج.
ثم قال تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى قال
1 / 126