وفي يوم الأحد ثاني وعشرين شهر ربيع الثاني منها مات السيد الشريف العارف الحسن بن أحمد الجلال ، كان المذكور مستوطنا للجراف شمالي صنعاء في الخريف والشتاء، ودفن جنب صنوه برسلان . وكان المذكور قد اختار سكون ذلك المكان على صنعاء في جميع الأوقات والأزمان، وأصل داره وأهله جهات صعدة، ثم إنه ارتحل إلى شهارة في أول دولة الإمام، فقرأ فيها تلك الأيام على الشيخ العلامة لطف الله بن محمد الغياث الظفيري ، وعلى شرف الإسلام الحسين بن القاسم ، ثم ارتحل إلى صنعاء عقب خروج حيدر عنها، ودرس على السيد العارف محمد بن عز الدين المفتي المؤيدي ، وتأهل ببنت من بنات السيد صلاح الحاضري السراجي ، وما زال كذلك بصنعاء، ثم طاب له سكنى الجراف آخر مدة الإمام المؤيد بالله إلى أن مات فيه، وكان يدعي الاجتهاد وأنه ترجح له مذهب داود الظاهري ، ويعول عليه في أقواله في الأصول والفروع[44/ب]، ويقول: إن الإجماع ليس بحجة، ويقول بالمتعة موافقة للرافضة الإمامية، ولا يحتج بالآحاد موافقة للقاشاني ، وإن صح بالإسناد، ولا يحتج إلا بالمتواتر وما لم يجده فبالبراءة الأصلية، وقال: إنه على رأي ابن حزم في العمل بالبراءة، وله أقوال عجيبة، ونوادر غريبة فيها ركة وإباحة ومخالفة لجمهور الأمة، وللإجماعات المنبرمة فلا قوة إلا بالله. ولو توقف على مذهب داود نفسه لكان أقل من تلك النوادر والمخالفات، لكنه خرج عن أصل داود في موافقة الرافضة في المتعة، وفي سب عثمان رضي الله عنه، وفي موافقة الخوارج في منصب الإمامة، فقال: إنها في جميع الناس عربي وعجمي فيها على سواء وإنما يشترط فيهم التقوى. وكان يرى في خلق الأفعال مثل قول أهل السنة وثبوت الخروج لأهل الكبائر من النار بالشفاعة، والرؤية، وكان لا يكفر بالإلزام كما يقول به محققوا علماء الإسلام.
قال السيد ما لفظه: إلزام الجبر مع عدم صحة نقله عن المرمى به تواترا مما لا يجوز أن يبنى عليه حكم ظني، فضلا عن قتال واستباحة النفوس وأموال؛ لأن الجبر لا يعرفه مدققوا علمائهم، مدعيا أنه ذا وهم عن الاعتزال قائم البرهان، ولا قائل بتكفير الأشاعرة لقولهم بالكسب، ولا يكفر أهل الكسب فيما يعلم إلا مجازف، لا يعرف العلم ولا أهله؛ لأن الكسب هو الفعل الذي يقول به المعتزلة، وإنما الخلاف للعبارة بعد التحقيق، إلى آخر ما ذكره في بعض رسائله[45/أ]. وللسيد الحسن الجلال المذكور اعتراض وجواب حسن على أرجوزة القاضي إبراهيم بن يحيى السحولي ، التي وضعها في إسناد جملة مذهبه إلى علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيه مجازفة ظاهرة، فقال السيد الجلال مجيبا عليه في هذا المجال:
بسم الله الرحمن الرحيم:
اطلع الفقير إلى الله الحسن بن أحمد الجلال على الأرجوزة التي نظمها القاضي العارف إبراهيم بن يحيى السحولي، التي جعلها نظاما لفروع مذهب الهادي، وقد كان اطلع عليه في إسناد الإمام شرف الدين، ولكنه كان في النفس منه شيء، فعاق عن استجادته، ورأيت إسناد القاضي لم يخلص أيضا من ذلك وهو بحثان:
مخ ۳۵۵