259

وله شبهة في المطل أيضا أخرى بأنه قال لبعض المطالبين له: أنا مشتري لبيت المال، فلا يلزمني لكم شيء، فانظر هذه الغفلة العجيبة، فإنه يقال له: إذا كنت ولي بيت المال فهو لازم لك القضاء منه، وإلا فلم تشتري ذلك؟ والوكيل قد قالوا: إنه يتعلق به الحقوق فيما اشترى لموكله، فما فائدة هذه الأعذار التي لا تجدي ولا تنفع! ولكن الرجل قد أعجب برأيه، فتراه يتساهل أمر العلم، ويدخل نفسه فيه، ويتشبه بتدريس أهل الدنيا الذين يحابوه على سببها ويميلون إلى هواه لأجلها، ويصدرونه ويأخذون عنه وهم في الباطن يعتقدون أنه ليس كذلك، إلا أنهم لما رأوا تأثير ذلك إلى بذله لهم من الدنيا وضعوا عنده الكذب، وقد جاءت أحاديث أن آخر الزمان يجري مثل هذا الكذب عند الملوك، وأنه يكثر الجهل ويكثر أبناء الدنيا، والواضعين للكذب عند الملوك للتوصل إليها، والله يوفقنا إلى رضا رب العالمين، إلا أن المهدي المذكور لو كان اكتفى بما قد أصر عليه في نفسه، ويترك معاملة الناس للناس ويكل الأمر إلى الشريعة الجارية عند الحكام. وفي حديث رواه الطبراني والبزار عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سترون قبل أن تقوم الساعة أشياء تستنكرونها عظاما يقولون هل كناحدثنا بهذا الحديث))، وأخرج ابن أبي شيبة عن عبادة بن الصامت عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((سيكون عليكم أمراء يؤثرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون وينكرون عليكم فليس لأولئك عليكم طاعة)) [205/أ]. وهو أيضا من أوائل مصير المعروف منكرا والمنكر معروفا؛ لأن قضاء الدين للغريم من المعروف ومطله من المنكر، وهنا قد انقلب حكمه، فصدق صلى الله عليه وسلم. وأخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون ويفعلون بما يؤمرون وسيكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن أنكر عليهم برئ ومن أمسك يده سلم ولكن من رضى وبايع)) انتهى. وجعل في ذلك رسالة مزخرفة بالباطل والحجج التي لا صحة لها ولا معنى، وكيف وضعها؟ منها: أنه احتج بأخبار موضوعة فيها مثل الحديث الذي قال:إنه جاء في الحديث الصحيح: ((إذا ضيق الأغنياء على الفقراء أذن الله بهلاك القرى )) بعد أن زعم أن سبب الغلاء والقحط هو إلحاح التجار في المقتضى من أهل الدين. ومن الحجج الضعيفة المعلومة التي لم يعرف بها المسكين أنه جعل مطالبة أهل الدين للغريم وبيعه لماله من بيع المضطر الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وقال عن أبي داود قال: خطبنا علي فقال: ((سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر فيه على ما في يده ويبايع المضطرون ولم يؤمروا بذلك)).

مخ ۵۶۷