وفي هذا الشهر حصل شجار بين أهل الديون وبين التجار، لما طالبهم أهلها امتنعوا عنها بسبب فتوى أحمد بن الحسن لهم بإنظارهم إلى ثمارهم وغلاتهم، وأدب المهدي المطالبين من التجار، وأجبرهم على الانتظار، وأمر القضاة بأنهم يحكمون بذلك عليهم، ويجرونه فيهم. وكان القاضي محمد بن علي قيس من الجارين على قول العلماء الماضين من وجوب التسليم مع المطالبة للميسرين، وأن النظار إنما هو للفقراء المعسرين، فأمر ببيع العروض مما كان حاضرا للغريم، إما شراه الغريم أو شرى شيئا من مال المدين بالتقويم، أو باعه في ذلك اللازم من الدين، فتحامق عليه المهدي أحمد بن الحسن وطلبه إلى صنعاء. وكان القاضي قد أرسل إليه برسالة فيها حجج العلماء، مثل الحديث الذي[204/أ] رواه الحاكم والدار قطني والبيهقي عن أبي بن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه)) ونحوه. فكان جواب المهدي: أنه أرسل عليه وعذره عن القضاء، وهذه مسألة ما أحد قد قال بها قبل هذا المذكور، واستنكر ذلك جميع علماء عصره، إلا إن الرجل ملك يريد إمرار قوله كيفما كان، وبعض من لا معرفة معه من الفقهاء قال: إن السبب نزول الآية كما ذكر الواحدي يقضي بقول المهدي، فإنه قال عن الكلبي ، وهو محمد بن السائب الكلبي بعد نزول آية الربا، قالت بنو عمروا بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم، فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة، فأخروا لنا إلى أن ندرك الثمرة فأبوا أن يؤخروها، فأنزل الله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } فالرواي الكلبي، وهو ضعيف الرواية، ثم إنه مخالف لما رواه غيره، فإنه روى السيوطي في تفسيره عن كثير من المفسرين والحفاظ أنها نزلت في الربا، ولم يذكر مثل قول الكلبي أصلا، ثم إن العسرة في اللغة: الفقر، والقرآن عربي، فكيف يصح قول الكلبي مع مخالفة العربية؟ ثم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببيعه في مال معاذ لدينه وغير ذلك من الدلائل. ثم إن قد روى بعض العلماء أن هذه المسألة إجماعية أن من معه عروضا أو عقارا وجب تسليمها في الدين مع المطالبة بثمن مثلها، كما ذكره النووي في منهاجه وغيره، وقد روى الإجماع صاحب البحر .
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ((مطل الغني ظلم )) . ولهذا الاشتباه مع المهدي أحمد بن الحسن[204/ب] كان أصل الشبهة معه في مطل الديون التي في ذمته لكثير من المسلمين، فكم في ذمته لهم وكم وكم!، وكانوا يشكون على مخدومه المتوكل إسماعيل، فلم يقدر أن يؤثر فيه بأمره له، فاجتمعت عليه ديون كثيرة أيام دولة المتوكل وأيامه، والمطل ظلم، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مخ ۵۶۵