248

وفي هذه المدة رحل من شهارة الحلل التي كانت فيها ساكنة من مدة الإمام القاسم وولده المؤيد بالله من أول الفتنة لما تقاصرت أحوالهم، وتقاللت مقرراتهم فاضطروا بالعود إلى بلدانهم، واستقروا حيث كانوا قبل، وسكنوا بأوطانهم، وقر فيها قرارهم كما قال الشاعر، وهو ابن المقرب:

ولكنها الأيام تبعد تارة

وتدني ولا بعد يدوم ولا قرب

وكان ذلك أول تغير على أهل شهارة من حالهم ووضع عليهم من افتخاراتهم، والتعاظم على غيرهم واستخفافهم بالمسلمين، واستحقارهم، وسوء الظن بهم، والعجب قد نهى الله عنه، وتزكية النفوس، كما قال الله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} وكانوا يعتقدون أن الأمر كله ينتشر من شهارة، وأن القائم فيها هو الغالب لكل غارة، ولم يعرفوا أن أمورهم منهارة، ولله قول الشاعر، حيث يقول:

هي الدنيا تقول بملء فيها

حذار حذار من بطشي وفتكي

ولا يغرركم مني ابتسام

فقولي مضحك والفعل يبكي

ثم بعد هذا بأيام تبع الضرر سائر أهل شهارة، من الفقهاء والسادة، فوصلوا إلى صنعاء في غاية الحاجة، وبعضهم خرج عن شهارة، وتمزقوا كأيدي سبأ[198/ب] وملك عليهم من هو عندهم غير موافق لهواهم، ليعلموا أن الأمر لله لا لهم ((قل اللهم مالك الملك )).

مخ ۵۵۵