والعلماء جميعا مقررون الحنفية والشافعية والحنابلة في كتبهم أن الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهم إنما[189/أ] هو من الحجاز، وقد أخرجهم عمر امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره، ولم يخالف في ذلك إلا المالكية فقالوا: يخرجون من جميع اليمن. وأما قول القاضي محمد بن قيس بأنه لا ذمة لهم ولا عهد فمصادم لما في سيرة ابن هشام بمعاهدتهم في كتاب عمرو بن حزم إلى اليمن وكتاب معاذ بن جبل لما أرسلهما النبي صلى الله عليه وسلم، والكفار مما ينبغي إبعادهم وتفسيرهم، إلا أن الذمم بعد عقدها لا يخفى ما في نقضها؛ ولأن ظلم أهل الذمة سبب إلى زوال الدولة، كما ذكره ابن هشام في السيرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى الجملة فإن المتورع في هذه المسألة لا يجيب بلا ولا بنعم؛ لأن ولاية الكفار منقطعة عن المسلمين فلا يكونن ظهيرا للمجرمين، وإنما حكينا حكاية ما قاله العلماء الماضين في العهد لا غير ذلك، ولذلك لما طلبنا نقد في جواب القاضي أحمد بن صالح في رسالته كان الجواب معلوما، لكنا تركناه تورعا، وقلنا: أقوال العلماء ظاهرة، فقلدوهم وأفعلوا فيهم ما ذكره العلماء في أمرهم.
ولما طلعت الحمولة من المخا وجاءت طريق تهامة حتى خرجت إلى الهجر لقاها المهدي برحبان قبيل نزوله إلى عيان جماعة عسكر، لحفظها في طريق العمشية، فاتفق أنهم لما شدوا من حباشة تأخر العسكر للغداء في حباشة، فقصدها دهمة عند الضيق هنالك لما رأوها لا رفقة معها، فدافع عنها الجمالة وصاحت الصوايح حتى وصلت الغارة[189/ب]، وكان أحمد بن الحسن قد بلغه ذلك وهو في التمشية فقصد إلى العمشية، ثم تعقب خروجه إلى عيان واستقراره فيه.
مخ ۵۳۸