الحمد لله الواحد البر الرحيم* الفاطر الصمد العليم* الذى بعث محمدا ﵌ بالحنيفية السمحة والدين القويم* وبصربه بعد العمى وكشف به الغما وهدا به من الضلالة وآتاه الخلق خالصا من شوائب الآفات وعملا صالحا يجري علىّ بعد الممات وان يبلغنى بمنه ما أنا منه آمل. وان يحشرني ووالدى ومشايخى وسائر المؤمنين في زمرة نبيه محمد خاتم النبيين ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين ما ضحك البرق مبتسما وبكي الودق منسجما وأحيا الحيا موات الارض. فانتعش به كل غصن ذابل.
آمين (شرح بعض ألفاظ الخطبة) قال المؤلف غفر الله زلته وأقال عثرته آمين.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الحمد لله) بدأ بهما تأسيا بالقرآن العظيم وعملا بقوله ﷺ كل امر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع أخرجه الرهاوى في الاربعين من حديث أبى هريرة ولابن ماجه والبيهقي في السنن والرهاوى من حديثه لا يبدأ فيه بالحمد لله زاد الرهاوى والصلاة على فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة ومنه يؤخذ تفسير أجذم الذي في صحيح ابن حبان ومعنى ذى بال أى حال يهتم به وجمع بين الابتدائين عملا بالروايتين واشارة الى عدم تعارضهما اذ الابتداء حقيقى واضافي فبالبسملة حصل الاول وبالحمد لله حصل الثاني وقدم البسملة عملا بالكتاب والاجماع واشتقاق الاسم والحمد ومتعلقاتهما مستوفاة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها (البر) هو العطوف على عباده المحسن الى جميع خلقه بالبر والرزق (الفاطر) هو الخالق المخترع على غير مثال سابق (الصمد) هو السيد الذى انتهى سؤدده أو الدائم الباقى بعد فناء خلقه أو الذي يصمد اليه في النوائب أو الذى لا جوف له أو الذى لا يأكل ولا يشرب أو المقصود أو الذى لا عيب فيه أو المالك أو الحليم أو الملك أو الكامل أو الذى لا شئ فوقه أو الذى لا يوجد أحد بصفته أقوال (محمدا) سمى به لكثرة خصاله المحمودة وسيأتى بسط الكلام عليه حيث ذكره المصنف (بالحنيفية) هي المائلة عن كل دين الى دين الاسلام والحنف لغة الميل وحذف الموصوف وهو الملة (السمحة) أى التى لا حرج فيها ولا ضيق (والدين) أى دين الاسلام (القويم) الذى لا اعوجاج فيه (وبصربه بعد العمى) أى هدى به بعد الضلالة (وكشف) أى أزال به (الغما) بضم المعجمة وتشديد الميم وهو الغم العظيم وأصلها المد لكن يقصر لمجاورة العمى (وآتاه) بمد الهمزة أى أعطاه (الخلق) بضم اللام وسكونها الدين والطبع والسجية وحقيقتها صورة الانسان الباطنة وهى نفسه ومعانيها وأوصافها ولها أوصاف حسنة وسيئة والثواب والعقاب يتعلقان باوصاف الصورة الباطنة أكثر من تعلقهما بالصورة الظاهرة وكان ﷺ من ذلك بالمحل الأعلى كما وصفه جل وعلا «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» أى دين عظيم بقوله لا دين أحب الى الله تعالى ولا أرضا عنده منه وهو الاسلام وقيل القرآن وقيل آدابه وقيل ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله وقيل لانه امتثل تأديب الله ﷿ بقوله «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» الآية وفسر عياض الخلق العظيم بالطبع الكريم وقيل ليس له همة الا الله
1 / 3