فآنست منه بعض الارتياح، ولذلك قالت: نعم لأنني الآن بحالة غير حالتي الأولى؛ لأني لست يتيمة كما كنت أظن، بل إن والدتي حية، وقد أرسلت في طلبي شيخا فاضلا ليرجعني إليها.
فقال فؤاد بغضب: آه يا خائنة ... إنك تطعنين قلبي بحربتين الآن ولا تبالين: حربة مكرك وغدرك وحربة الشماتة، فأنت ستذهبين إلى أمك سالمة بعد أن تتركيني أموت في بلاد الغربة وتخسر أمي ولدها بسببك ... وهو يموت في مستشفى الفقراء ...
وبالحقيقة أن بديعة كانت شجاعة؛ لأنها ثبتت غير متزعزعة أمام غضبه لأن سلاح الحق معها، وما كان بكاؤها إلا تأثرا من كلامه الجارح ودموعه الغزيرة، ومن تألم الروح فأجابته قائلة: بالله عليك يا فؤاد لا تظلمني؛ لأنني لست مذنبة، وأنا أبتهل إلى الله أن تعيش مائة سنة بعد اليوم، وتندم في كل يوم من أيامها على إساءة الظن بي.
فقال: إساءة الظن بك!
إنني بعد أن تحققت الأمر بنفسي لم تعد خيانتك «ظنا»، بل أضحت أمرا مقررا.
قالت: قلت لك وأقول تكرارا بأنني لست خائنة، ولكن في الأمر سوء تفاهم وغدرا أوصلانا إلى حالتنا الحاضرة من الافتراق، وعلى كل حال إنني لم أعدك لاسترجاع حبك الآن، بل أتيت قياما بواجبي نحوك؛ فإن قبلت عيادتي كرجل شريف كان خيرا، ومتى شفيت تتحقق من منا المذنب نحو الآخر، وأظن أن الذنب ليس على واحد منا، بل إننا قد ذهبنا فريسة الغدر وإن ...
وقبل أن تتم بديعة كلامها سمعت صوتا من ورائها اقشعر له بدنها يقول: أنت هي المذنبة، أنت هي الخائنة الماكرة نحوي ونحوه؛ لأنك بعد أن حملتني على الهرب معك كتبت ذلك الكتاب الكاذب إلى فؤاد، فكان سبب لحاقه بك ووصوله إلى هذه الجالية.
فلم تقدر بديعة على المجاوبة؛ لأنها لم تجد ما تجاوب به، وكان موقفا حرجا جدا، وهي بين قساوة وبغض فؤاد ومكر ونفاق نسيب، فقامت وتركت المستشفى حالا.
الفصل السابع والثلاثون
مرض بديعة
ناپیژندل شوی مخ