البدوية :
لم أؤثره عليك يا مولاي، وإنما آثرت نفسي؛ فطرة الله التي خلق الناس عليها، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
الخليفة :
لم يستبن لي مرادك.
البدوية :
أنت تعلم يا مولاي أن الإنسان يستمد سعادته في هذه الدنيا مما اعتاد، كالطفل يعتاد الثدي الذي يرضعه، فلا يؤثر عليه شيئا من طيبات الدنيا؛ ولذلك تراه إذا فطم يحزن لذلك ويأسى، ويملأ الدنيا صياحا ويأسا. للإنسان من أهله وصحبه ووطنه ودأبه وعرفه وأدبه عهد متصل بدمه، عالق بنفسه ساكن في قلبه. قصة عزيزة عليه، هي قصة طفولته، ولذة صباه، وعزاه في كهولته، بل هي حياته كلها. فإذا أنت أرغمته على ترك هذا ونسيان ذاك، وقطعت ما بين ماضيه وحاضره، فقد مات يا مولاي موتة قلب وروح وفؤاد.
الخليفة :
لم يفتني ذلك يوم غلب علي هواك فأخذتك إلى قصري، ولكني اعتمدت على الزمن في تسكين ثائرة نفسك، وتركتك اليوم عاما أو يزيد؛ لتستعيضي عهدا بعهد، وأرضا بأرض، وقوما بقوم.
البدوية :
ولكن أي عهد هذا الذي اعتضته؟ عهد أقضيه في حسرة، ولوعة، وبكاء! وأي قوم رأيت لا أم لي فيهم، ولا أب، ولا أخت، ولا صديقة؟! لم يكن لي فيه يا مولاي إلا الذكرى والحنين والحسرة؛ لأن انقطاع تلك المعاهد عني قطع عني صلة نفسي بالماضي، تلك الصلة التي يحسبها الإنسان ضمينة خلوده في الدنيا، أفتنكر علي أن أظل في شقاء كل يوم، وأرجو لو أنني عشت في خيشي بين الكاسر والضاري، وخشنة عيش أؤثره على ما تجده أنت يا مولاي في هذا القصر من نعيم؟ فأنت ترى يا مولاي أنني لم أؤثر عليك صعلوكا أو ملكا، بل آثرت نفسي بالرغم مني، وتلك فطرة الله.
ناپیژندل شوی مخ