رأيتك، يا أخي، جالسا على عرض من المجد وقد وقف حولك الناس مترنمين باسمك، مرددين حسناتك، معددين مواهبك ، محدقين إليك كأنهم في حضرة نبي يرفع أرواحهم بعزم روحه ويطوف بها بين النجوم والكواكب، وأنت تنظر إليهم وعلى وجهك سيماء الغبطة والقوة والتغلب كأنك منهم بمقام الروح من الجسد. ولكنني نظرت إليك ثانية فرأيت ذاتك المستوحدة واقفة إلى جانب عرشك وهي تتوجع بغربتها وتغص بوحشتها، ثم رأيتها تمد يدها إلى كل ناحية كأنها تستعطف وتستعطي الأشباح غير المنظورة. ثم رأيتها تنظر من فوق رؤوس الناس إلى مكان قصي، إلى مكان خال من كل شيء سوى وحدتها وانفرادها.
رأيتك، يا أخي، مشغوفا بحب امرأة جميلة وأنت تسكب على مفرق شعرها ذوب قلبك وتملأ راحتيها بقبل شفتيك، وهي تنظر إليك وأشعة الانعطاف في عينيها وحلاوة الأمومة على ثغرها، فقلت بسري: لقد أزالت المحبة وحدة هذا الرجل ومحت انفراده، فعاد واتصل بالروح الكلية العامة التي تجتذب إليها بالحب ما انفصل عنها بالخلو والسلوان. ولكنني نظرت إليك ثانية فرأيت طي قلبك المشغوف قلبا منفردا يريد أن يكسب مخبآته على رأس المرأة ولا يقدر، ورأيت وراء نفسك الذائبة حبا نفسا أخرى مستوحدة شبيهة بالضباب تروم أن تتحول في حفنتي رفيقتك إلى قطرات من الدموع ولكنها لا تستطيع.
حياتك، يا أخي، منزل منفرد بعيد عن جميع المنازل والأحياء.
حياتك المعنوية منزل بعيد عن سبل الظواهر والمظاهر التي يدعوها الناس باسمك، فإن كان هذا المنزل مظلما فأنت لا تقدر أن تملأه من خيرات جارك؛ وإن كان قائما في صحراء فأنت لا تقدر أن تنقله إلى حديقة غرسها سواك؛ وإن كان منتصبا على قمة جبل فأنت لا تستطيع أن تهبط به إلى واد وطئته أقدام غيرك.
حياتك النفسية، يا أخي، محاطة بالوحدة والانفراد، ولولا هذه الوحدة وذاك الانفراد لما كنت أنت أنت، وأنا أنا. لولا هذه الوحدة وذاك الانفراد لكنت إن سمعت صوتك ظننتني متكلما، وإن رأيت وجهك توهمت نفسي ناظرا في المرآة.
إرم ذات العماد
ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد [الفجر: 6-8]. (القرآن الكريم) «يدخلها بعض أمتي ». (الحديث)
توطئة لإرم ذات العماد
بعد أن ملك شداد بن عاد جميع الدنيا أمر ألف أمير من جبابرة قوم عاد أن يخرجوا ويطلبوا أرضا واسعة كثيرة الماء طيبة الهواء بعيدة عن الجبال ليبني فيها مدينة من ذهب، فخرج أولئك الأمراء ومع كل أمير ألف رجل من خدمه وحشمه، فساروا حتى وجدوا أرضا واسعة طيبة الهواء فأعجبتهم تلك الأرض، فأمروا المهندسين والبنائين فخطوا مدينة مربعة الجوانب دورها أربعون فرسخا من كل جهة عشرة، فحفروا الأساس إلى الماء وبنوا الجدران بحجارة الجزع اليماني حتى ظهر على وجه الأرض، ثم أحاطوا به سورا ارتفاعه خمسمائة ذراع وغشوه بصفائح الفضة المموهة بالذهب فلا يكاد يدركه البصر إذا أشرقت الشمس. وكان شداد قد بعث إلى جميع معادن الدنيا فاستخرج منها الذهب واتخذه لبنا، واستخرج الكنوز المدفونة، ثم بنى داخل المدينة مائة ألف قصر بعدد رؤساء مملكته كل قصر على أعمدة من أنواع الزبرجد واليواقيت معقدة بالذهب طول كل عمود مائة ذراع. وأجرى في وسطها أنهارا وعمل منها جداول لتلك القصور والمنازل، وجعل حصاها من الذهب والجواهر واليواقيت، وحلى قصورها بصفائح الذهب والفضة، وجعل على حافات الأنهار أنواع الأشجار جذوعها من الذهب وأوراقها وثمرها من أنواع الزبرجد واليواقيت واللآلئ. وطلى حيطانها بالمسك والعنبر، وجعل فيها جنة مزخرفة له، وجعل أشجارها الزمرد واليواقيت وسائر أنواع المعادن.
ونصب عليها أنواع الطيور المسموعة الصادح والمغرد وغير ذلك. «الشعبي في كتاب سير الملوك»
ناپیژندل شوی مخ