وتعرب عن كنائن معجمات
فإن هلكت خروسك أم ليلى
فما أنا من صحابك واللمات
فعنك تعود أبنية المعالي
وأطلال النهى متهدمات
وقد يضحي صحابك أهل سجن
وتلقين الكئوس محطمات
للمعري
في صباح ذات يوم خرج قروي من كوخه الحقير يحمل تحت إبطه فطور ذلك اليوم موليا وجهه نحو الحقل الذي ما كاد يصل إليه حتى خلع معطفه ورماه تحت إحدى الشجيرات بعد أن لف فيه ما معه من الخبز، ثم شرع في العمل، وبعد هنيهة أنهكه الجوع وأضنى التعب جواده، فأطلق سراح الجواد وجلس هو ليأكل ما أعده للفطور، ولما تفقد الخبز لم يجده بين طيات ثيابه، فأخذ يقلب المعطف بين يديه ويدقق النظر في كل جزئياته، ولكنه عبثا كان يحاول؛ إذ إن الشيطان كان قد سبقه إلى الشجيرة، وسرق ما في المعطف من الطعام، ثم جلس منتظرا صخب القروي ولعناته على سارق الخبز، إلا أن فأله قد خاب؛ لأن القروي مع ما داخله من الأسف لم يتأثر كثيرا لفقد الطعام، بل اكتفى بقوله: «ما علي لو صبرت؛ فإن الجوع ليس بقاتلي، وربما كان الآخذ في حاجة إلى ذلك الخبز، فليهنأ به.» قال هذا القول وذهب توا إلى بئر قريب منه؛ حيث أطفأ ظمأه، وارتاح قليلا من وعثاء العمل، ثم عاد فأمسك بعنان جواده واستأنف العمل ثانية.
أما الشيطان فقد استاء من عمل القروي؛ إذ رآه أعقل من أن يقع في الخطيئة؛ فأسرها في نفسه، وعزم أن يخبر رئيسه بالأمر، وبالفعل ذهب من وقته إلى إبليس وقص عليه الحكاية، وكيف أن القروي لم يعبأ بفقد الخبز ولم يسخط على آكله، بل تمنى له الهناءة والسرور، فما كاد إبليس يسمع ذلك حتى غلى مرجل حقده، وانتهر تلميذه قائلا: «إنما اللوم في ذلك راجع عليك؛ لأنك لم تقم بمهمتك كما يجب، واعلم أن القرويين إذا ابتدءوا ينهجون على هذا المنوال، واقتفى أثرهم في ذلك زوجاتهم فالويل لنا نحن معاشر الأبالسة، فالأمر خطير لا يجمل بنا أن نتغافل عنه، فانكص على عقبيك سريعا وأصلح خطأك هذا، وإن لم تنتصر على ذلك القروي الساذج في ظرف ثلاث سنين، فسوف أريك كيف يكون جزاء الإهمال.» فعاد الشيطان إلى الأرض مسرعا وهو ينتفض فرقا وقد تقطعت نياط قلبه من تهديد الرئيس ، وأخذ من وقته يفكر في حيلة يوقع بها ذلك المسكين في حبائله، وأخيرا اهتدى إلى مشروع وجده كفيلا بنجاحه، فتزيا بزي أحد العمال وتمكن من أن يدخل في خدمة القروي.
ناپیژندل شوی مخ