بدایع الفواید
بدائع الفوائد
خپرندوی
دار الكتاب العربي
د ایډیشن شمېره
الأولى
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
معاصر
كأنه ينظر إلى ما أخبر به من الغيب من وراء ستوره وهذا لكمال البصيرة وهذا أفضل مواهب العبد وأعظم كراماته التي يكرم بها وليس بعد درجة النبوة إلا هي ولهذا جعلها سبحانه بعدها فقال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ وهذا هو الذي سبق به الصديق لا بكثرة صوم ولا بكثرة صلاة وصاحب هذا يمشي رويدا ويجيء في الأول ولقد تعناه من لم يكن سيره على هذا الطريق وتشميره إلى هذا العلم وقد سبق من شمر إليه وإن كان يزحف زحفا ويحبو حبوا ولا تستطل هذا الفصل فإنه أهم مما قصد بالكلام فليعد إليه فقيل تقديم السمع على البصر له سببان أحدهما أن يكون السياق يقتضيه بحيث يكون ذكرها بين الصفتين متضمنا للتهديد والوعيد كما جرت عادة القرآن بتهديد المخاطبين وتحذيرهم بما يذكره من صفاته التي تقتضي الحذر والاستقامة كقوله: ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وقوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ والقرآن الكريم مملوء من هذا وعلى هذا فيكون في ضمن ذلك أني أسمع ما يردون به عليك وما يقابلون به رسالاتي وأبصر ما يفعلون ولا ريب أن المخاطبين بالرسالة بالنسبة إلى الإجابة والطاعة نوعان أحدهما قابلوها بقولهم صدقت ثم عملوا بموجبها والثاني قابلوها بالتكذيب ثم عملوا بخلافها فكانت مرتبة المسموع منهم قبل مرتبة البصر فقدم ما يتعلق به على ما يتعلق بالمبصر وتأمل هذا المعنى في قوله تعالى: لموسى ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ هو يسمع ما يجيبهم به ويرى ما يصنعه وهذا لا يعم سائر المواضع بل يختص منها بما هذا شأنه والسبب الثاني أن إنكار الأوهام الفاسدة لسمع الكلام مع غاية البعد بين السامع والمسموع أشد من إنكارها لرؤيته مع بعده وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: "اجتمع عند البيت ثلاثة نفر ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول فقال: الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا فقال الثالث: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو
1 / 73