بدائع البدائه
بدائع البدائه
قد ضاق مجراه عن دمعه فتفتحت به أضلاعه، فقلت:
وساقيةٍ تئن أنين ثكلى ... شكت بأنينها حر الأوار
فقال:
تحن ولا تزال تطوف عجلى ... كرازمةٍ تحن إلى حوار
فقلت:
غدت تحكي محبًا ذا انتحابٍ ... يطوف باكيًا في رسم دار
فقال:
حكت فلكًا لجلب اللهو دارت ... عليه من قوادسه دراري
وبصرنا بساقية تتلوى تلوي الأفعوان
وتخفق خفقات قلب الجبان، والزهر قد نظم بلبتها عقودا فوق أثوابها الممسكة، والنسيم يكسوها ويلبسها غلائل مفركة، فقلت:
أساقية أم أرقم فر هاربًا
فقال:
أم الريح قد هزت من الماء قاضبا
فقلت:
حصىً مثل در الثغر أجرى زلاله ... رضابًا وأبدى نبته النضر شاربا
فقال:
يوشحها زهر الرياض قلائدًا ... ويلبسها مر الرياح جلاببا
واجتمعت أنا وشهاب الدين يومًا
فتعاطينا القول في صبيٍ ينعت بالشمس، قد مضى ذكره، فقال:
وشمسٍ متى أشرقت يكسها الحيا ... شقيقًا ويلبسني الهوى حلة الورس
فقلت:
يلوح فأبكى حين أنظر وجهه ... وبالقسر يبكي من يحدق للشمس
قال علي بن ظافر
واجتمعنا بالقرافة في ليلة وقد عم السرور الأرض بسحابه، وغمرها بفائض انسكابه، فأنبتت نواحيها زاهي جلنار، من شعل النار، في غصونٍ مائساتٍ، كحبال القرقيسات، وكشف بها النور سجف الظلماء، ونقل طرف الليل إلى الشية الشقراء، عن الشية الدهماء، وزهت الأرض بشهب النيران على جو السماء، فترافدنا القول، فقلت:
أنعت ليلا مدلهما أقتما
فقال:
أشعل بالنار وكان أدهما
فقلت:
أضحى من الحسن منيرًا مظلما
فقال:
كاثرت النيران فيه الأنجما
فقلت:
فلم نكد نعرف أرضًا من سما
قال علي بن ظافر
واجتمعنا يومًا على أن نتغزل في غلام رأيناه كأن الشمس من أزراره أشرقت، وكأن النار من وجناته أنارت وما أحرقت، ذي تخيلانٍ قد انبثت دهم خيلها في محياه، وتفرقت لاقتناص فرسان القلوب التي كسرها هواه، وقد حفت وجناته بالشقيق، ولففت فصوص السبج بالعقيق، فقال:
1 / 110