17

ولذلك أبادر فأعترف لعلماء النقد بنقص تعمدت أن يبقى نقصا؛ ذلك أنني لم أورد في روايتي من المواقف ذات العلاقة بشخصية الرسول

صلى الله عليه وسلم

إلا ما كان له سند صحيح من كتب السيرة، أما ما كانت ضرورة الرواية تتطلب استكماله بالخيال على سبيل الاحتمال فقد نبوت عنه وتركته؛ لاعتبارات كثيرة لا يجوز أن يتجاهلها حماة الأدب والقصة اعتمادا على أن الرسول وصفه الله تعالى بأنه بشر مثلنا يوحى إليه، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؛ لأن ذاتية الرسول

صلى الله عليه وسلم

مقدسة عندنا، وليست مما يجوز أن يتناوله الكاتب حتى في أبسط نواحيها؛ أي: في الحوادث العادية كالأكل والمشي والتحية والالتفات والابتسام والدعاء، في مواقف متخيلة ليست ذات سند، فإن ما نزعم نحن أنه من عادي الأمور لا يكون كذلك في الواقع فيما يختص بذاتية كل خلجة من خلجاتها وحركة من حركاتها مما يبنى عليه أحكام ويؤخذ منه قواعد وبه يستشهد، من أجل ذلك أهملت هذا الجانب من مستلزمات القصة إهمالا تاما، إلا في ثلاثة مواقف لم أكن أستطيع مع اقتضابي إياها إلا أن أشبع السياق فيها، وهذه نبهت القارئ فيها بالإشارة في الهامش إلى أنها تخيل لا حقيقة تاريخية، وارتاح علماء الدين إلى ذلك، على أني تلوت الجانب العربي من القصة على أستاذنا صاحب الفضيلة الشيخ عبد المجيد اللبان شيخ كلية أصول الدين؛ وإذ رأى فرط حرصي على ما أنا بصدده أشار بأن ألزم القارئ التنبه إلى هذا في صلب الكلام نفسه وسياقه ففعلت، فله عظيم شكري.

نعم حسب القصة من أنها قصة ما لا بد أن ينبه، وكان يكفي للأمر أن يشار إليه، ولكنا لا نريد أن نطبق هذا على أقدس ذاتية خلقها الله. •••

وإذ يجب أن أتقدم بالشكر إلى من كانت لهم يد في هذا العمل، فشكري أوجهه بعد ذلك إلى صديقي الفاضل محمد أفندي جبر مدير مكتبة وزارة المعارف؛ لفضله علي قديما وحديثا، فقد هداني باطلاعه الواسع إلى ما لم يكن في استطاعتي الاهتداء إليه من موارد العلم فيما له علاقة بعملي القصصي من سنة 1913 إلى يومنا هذا، وإلى أبي الفضل والسادة الفضلاء الشيخ الوقور الأستاذ حسين بك أباظة؛ إذ أعارني من مكتبته ما لم أكن أستطيع الوصول إليه من كتب التاريخ والفقه، ولتوليه عني البحث والتحقيق في كثير من المسائل برا منه بدينه، وإكراما للعلم، وإلى صديقي الفنان الأستاذ حسين أفندي فوزي عضو بعثة وزارة المعارف ومدرس الرسم والتصوير بمدرسة الفنون الجميلة العليا، ثم إلى الأستاذين الناشئين أحمد أفندي زكي وكامل أفندي منصور من طلاب الفنون الجميلة العليا في روما؛ فقد تولوا تصوير مناظر الرواية وأجادوا.

وأرفع شكري كذلك إلى العلماء الفضلاء أصحاب الفضيلة والعزة محمد جاد المولى بك المفتش بوزارة المعارف ومراقب المجمع اللغوي، والأستاذ الكبير الشيخ مصطفى العناني مفتش أول العلوم العربية بالجامعة الأزهرية الشريفة، وفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد الحسيني الظواهري المدرس بكلية أصول الدين، والأستاذ النابغة الشيخ محمد عبد اللطيف دراز من جلة علماء الأزهر الشريف، وإلى المربي الكبير صاحب العزة محمد لبيب الكرداني بك مراقب التعليم الأولي بوزارة المعارف، وإلى الأستاذ الجليل أمين سامي حسونة بك ناظر معهد التربية، وإلى المؤرخ العمدة الدكتور حسن إبراهيم حسن أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بالجامعة المصرية الموقرة، وزميله العالم الجغرافي النابه الأستاذ الشرقاوي، وإلى الأديب الفاضل الشيخ عبد الرازق سلمان مدرس التاريخ الإسلامي بكلية اللغة العربية، وإلى الأستاذ العالم الأجل الشيخ عبد الرحمن الجزيري كبير مفتشي مساجد الأوقاف؛ لاطلاعهم على الرواية قبل عرضها على القراء، وتفضلهم علي بالكلمات الكريمة التي أقتضبها وأنشر بعضها بترتيب ورودها تحدثا بفضل الله علي، وإثباتا لامتناني وشكري الدائم، فإن فيهما غذاء لنفسي يقويها على المضي فيما اعتزمت من خدمة الدين والتاريخ بقدم ثابتة وقلب مطمئن، كما أن فيها تزكية لعملي عند من أردتهم بما اعتزمت من صياغة التاريخ الإسلامي في قالب قصصي.

على أني لا أريد أن أقصر شكري على ذوي الأيادي الظاهرة علي في عملي، فإن هناك فريقا من علية القوم في مصر وزعماء الرأي والفكر فيها كانت لهم علي - ولا تزال - أيادي خير قوتني فيما أنا بصدده: وزراء وقضاة وكتاب وعلماء، وأساتذة في الجامعتين، ومراقبون ومفتشون ومدرسون في وزارة المعارف، وسيدات من زعيمات الحركة القومية في مصر، قرءوا منه وتتبعوه، فكان ارتياحهم إليه، واستحثاثي عليه، وتساؤلهم عنه، معوانا لي على العمل، وتقوية للجهد.

وكذلك إلى رصفائي الأدباء الذين لا أزال أحن إلى عهدي معهم - وأدعو الله أن يمكنني من الأوبة إليهم - كتاب الجرائد العربية الذين رحبوا بالمشروع، وكتبوا عنه قبل ظهروه؛ حسن ظن منهم بأخيهم، وتشيعا للفكرة كما تشيع معلمو التاريخ لها واغتبطوا بها.

ناپیژندل شوی مخ