يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ
[سورة الرحمن، الآية: ٢٢] وإنما خرج من الملح لا من العذب ولكنه ذكرهما ذكرا واحدا فخبر بما يتضمّنانه. وكذلك قوله: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
[سورة القصص، الآية: ٧٣]، فالسّكون في اللّيل والاكتساب في النّهار، ولكن كما جمعهما في الذّكر ابتداء جمعهما في الخبر انتهاء، افتنانا في النظم وتبحرا في السّبك وثقة بأنّ اللّبس عنه بعيد كيف رتب وفي قوله تعالى:
لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ*
[سورة الإسراء، الآية: ١٢] إشارة إلى التّواريخ وضبط مبالغ الدّيون والمعاملات وآمادها ومواقيتها، وما فيه معاشهم ورياثهم وعليه تبتنى منافعهم ومصالحهم، وقد دخل تحت ما ذكرنا ما أشار تعالى إليه بقوله: وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا
[سورة الإسراء، الآية: ١٢] وإن كانت هدايته أبلغ، ومجامع بيانه من اللّبس أبعد، فأما قوله تعالى من الآية الأخرى التي أوردتها مستشهدا بها جعل اللّيل لباسا أي للتّودع والسّكون يقال في فلان ملبس أي مستمتع.
قال امرؤ القيس شعرا:
ألا إنّ بعد العدم للمرء فنية ... وبعد المشيب طول عمر وملبسا
وقال ابن أحمر:
لبست أبي حتّى تملّيت عمره ... وملّيت أعمامي وملّيت خاليا
ويجوز أن يريد باللّباس السّتر لأنّ الليل عطاء كل شيء وستره كما قدّمنا، والأحسن الأول يدل على ذلك قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ
[سورة البقرة، الآية: ١٨٧] وجعل العلة فيما أحل منهنّ لهم من الرّفث إليهنّ كون الجميع لباسا أي مستمتعا وقوله: وَالنَّوْمَ سُباتًا
أي راحة وأمنا ويقال: رجل مسبوت إذا استرخى ونام وسبت فلان العمل بالفتح إذا ترك العمل واستراح وانسبتت البسرة، إذا لانت وقوله: وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُورًا
[سورة الفرقان، الآية: ٤٧] مثل قوله: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحًا طَوِيلًا
[سورة المزمّل، الآية: ٧] أي ذهابا وتصرّفا في طلب الرّزق، ولمّا كان النّشور في النّهار جعله على المجاز نفسه، كقولك: فلان أكل وشرب على تقدير هو ذو أكل فحذف المضاف، أو لغلبة الفعل عليه، جعله كأنه الفعل على هذين الوجهين يحمل قوله شعرا:
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار
وهو يصف وحشية. قال بعض أصحاب المعاني النّشور في الحقيقة الحياة بعد الموت بدلالة قوله شعرا:
حتى يقول النّاس مما رأوا ... يا عجبا للميت النّاشر
1 / 26