وصعد فوق بقية الكوم وسار بين حفره يلتقط منه قطعا من الفخار والأحجار المحطمة يتأملها كما كان يفعل قديما لعله يجد بها بعض ما كان قوية يطرب له، ويبعث الأغاني إلى قلبه، فلم يجد من ذلك شيئا، ومع ذلك فإنه قضى هناك ساعة في جولة كأنه يواسي الكوم القديم فيما أصابه.
وبدا الكوم تحته كأنه كان قصرا أو معبدا ثم اندك.
ثم نزل يسير متباطئا نحو السهل الأخضر اليانع في الطرف الآخر من الكوم يسائل نفسه كيف يهتدي إلى قوية، وما كان أعظم الفرق بين تلك الحقول الخضراء وبين البرية التي كان يجول فيها من قبل، كان النبات تحت عينيه زاهيا يانعا، وكانت الجسور ممهدة، والترع والمصارف مطمئنة، لا كما عهدها وحشية مضطربة، أكان كل ذلك التبدل في الأعوام القليلة التي غاب عن الأرض فيها؟!
ولكنه أحس شعورا شديدا من الخيبة، فإن اطمئنان المنظر سلب ما كان فيه من روعة، وبلغ أسفل الكوم مطرقا واجما، فلما رفع رأسه رأى رجلا يسعى نحوه، وصاح يستقبله: عرفتك يا سيدي من مشيتك.
وأقبل قوية عليه باسما يمد يده مصافحا، ثم قال: ومن غيرك يأتي إلى هنا ثم يصعد إلى الكوم قصدا ؟ منذ رأيتك حدثتني نفسي أنه أنت.
وغمره بتحياته المكررة وسار به نحو خيمته، وكان قد نقلها إلى أقصى الكوم عند أعلى بقية فيه.
فلما بلغها نادى: هاتي الحمل والفروة يا تعويضة!
وخرجت تعويضة تسعى واضعة طرحتها على جانب من وجهها، فلما رأت «فؤاد» وقفت أمامه في دهشة، ثم صاحت: مرحبا يا حاج فؤاد!
وبسطت الحمل وجعلت الفروة فوقها في سرعة، ثم مدت يدها من تحت الطرحة وأهوت على يد فؤاد تريد أن تقبلها.
وسحب فؤاد يده وعيناه تدمعان من السرور وقال لها: كيف أحوالك يا تعويضة؟ لشد ما كنت إليكم مشوقا.
ناپیژندل شوی مخ