وكان سعد رحمه الله رئيس لجنة الاقتراحات فيما يظهر، فلما عرض عليه هذا الاقتراح دعا المقترح للقائه، وطلب إليه أن يعدل عن اقتراحه. فلما أبى قال له سعد: إن أصررت على موقفك فإن اقتراحا آخر سيقدم، وسيطلب صاحبه إلى الحكومة أن تقطع معونتها عن الأزهر؛ لأن صاحب هذه الرسالة عن أبي العلاء تعلم في الأزهر قبل أن يتعلم في الجامعة.
واضطر الرجل إلى أن يسترد اقتراحه، وسلمت للجامعة معونتها، ولم يتعرض الفتى لشر، وكان الأستاذ أحمد لطفي السيد هو الذي أنبأ صاحبنا بهذه القصة، وطلب إليه أن يسعى إلى سعد بشكر هذا الجميل، ولكن الفتى استحيا إذ ذاك فلم يسع إلى سعد، وأين هو من سعد؟
فلما أتيح له لقاء رئيس الوفد في باريس شكر له تلك العارفة، وأثنى على جهده الخصب في خدمة مصر وتضحيته في سبيل الوطن والشعب. فسمع منه سعد ولكنه أجابه في فتور وضيق بأن جهده وجهد أصحابه وجهد الشعب كله لن يغني عن الوطن شيئا، ألا ترى إلى كل هذه الأبواب التي غلقت من دوننا؟ وها نحن أولاء قد وصلنا إلى باريس فقطعت علينا الطريق إلى مؤتمر الصلح، وألقيت الحجب الكثاف بيننا وبين ممثلي الدول المشتركة فيه؟
قال الفتى: ولكن هذه الجهود توقظ الشعب ، وتنبهه لحقه، وتدفعه إلى المطالبة به والجهاد في سبيله.
قال سعد محولا الحديث عن مجراه: ماذا تدرس في باريس؟
قال الفتى: أدرس التاريخ.
قال سعد: أومؤمن أنت بصدق التاريخ؟
قال الفتى: نعم، إذا أحسن البحث عنه والاستقصاء له، وتخليصه من الشائبات.
قال سعد: أما أنا فيكفي أن أرى هذا التضليل، وهذه الأكاذيب التي تنشرها الصحف في أقطار الأرض، ويقبلها الناس في غير تثبت ولا تمحيص، لأقطع بألا سبيل إلى تصفية التاريخ من الشائبات، ولأقطع بعد ذلك بألا سبيل إلى استخلاص التاريخ الصحيح من هذه الشائبات، وانظر إلى ما ينشر عنا في مصر وفي باريس، وحدثني كيف تستطيع أن تستخلص منه التاريخ الصحيح؟!
وهم الفتى أن يتكلم، ولكن سعدا مضى في حديثه قائلا: لقد أقبلنا إلى باريس والأمل يملأ نفوسنا فلم نقم فيها أياما حتى استأثر بنا اليأس.
ناپیژندل شوی مخ