174

يوم سقطت القنبلة على بيتي!

ولم يمهل صاحبنا نفسه بعد أن فرغ من امتحان الدكتوراه إلا أياما قليلة، ثم أقبل على درس أستاذ التاريخ ذاك كما تعود أن يفعل منذ أقام في باريس، وكان على هذا الدرس حريصا ولصاحبه محبا، بل كان إعجابه بصاحب هذا الدرس عظيما، فلما انتهى الأستاذ من درسه سعى إليه صاحبنا خزيان وجلا، وأنبأه بأنه يود لو أذن له في أن يهيئ بإشرافه رسالة في التاريخ القديم ينال بها دبلوم الدراسات العليا.

وقد قبل الأستاذ طلب تلميذه أحسن قبول، وضرب له موعدا بعد درس الغد ليتحدث معه في موضوع هذه الرسالة، وانصرف الفتى راضيا مشفقا؛ راضيا عن العمل مع هذا الأستاذ العظيم، مشفقا من مشقة هذا العمل، فقد كان الأستاذ معروفا - على حبه لتلاميذه - بالشدة عليهم وتكليفهم من الأعمال أشقها وأشدها عسرا ومحاسبتهم بعد ذلك حسابا لا رفق فيه.

ولقي الفتى أستاذه من الغد فقال له متضاحكا: لقد وجدت لك موضوعا قيما حقا؛ لأنه سيتيح لك من القراءة ما ستنعم به أحسن النعيم موقعا في النفوس.

قال الفتى متشوقا: وما ذاك؟!

قال الأستاذ: ستدرس القضايا التي أقيمت في روما على حكام الأقاليم الذين أهانوا جلال الشعب الروماني وغضوا من شرفه، كما صورها المؤرخ العظيم تاسيت، وأؤكد لك أنك ستسعد بقراءة هذا المؤرخ كما لم تسعد قط بقراءة مؤرخ أو أديب.

ثم أحصى له طائفة من الكتب يجب أن يقرأها، وطائفة أخرى يجب أن يرجع إلى بعض فصول فيها، ولم يستطع صاحبنا أن يناقش الأستاذ أو يجادله في هذا الموضوع العسير، وإنما سمع وأطاع، وانصرف قلقا مستخذيا.

ثم فكر حين خلا إلى نفسه في هذه الكتب التي ينبغي أن يقرأها أو يراجع فصولا فيها، فرأى أنه لا يستطيع أن يستعيرها؛ لأن مثل هذه الكتب لا تعار من مكتبة الجامعة لكثرة حاجة الطلاب إليها، وليس له بد إذن من شرائها، وفي شرائها المعضلة الكبرى، فثمنها لا يقل عن المرتب الذي يتقاضاه أثناء شهرين كاملين!

وكتب إلى الجامعة يستعينها على شراء هذه الكتب، فأبت عليه، وكانت الجامعة شديدة البخل على طلابها، تكرهها ظروفها المالية على ذلك إكراها، فهي لم تكن تعينهم على ما يعرض لهم من المرض، ولا على ما يحتاجون إليه من الكتب. وإنما كانت تعطيهم مرتباتهم وأجور ما يحتاجون إليه من الدروس الخاصة إذا تبينت أن ليس لهم من هذه الدروس بد، ثم تخلي بينهم وبين حياتهم يصنعون بها ما يريدون، أو تصنع هي بهم ما تريد. وعلى الطلاب مع ذلك أن يثبتوا جدهم في الدرس وتقدمهم فيه، فإن ثبت لها تقصير أو قصور فليس بد للطالب من أن يعود إلى مصر ويوفر ما تنفقه الجامعة عليه من المال .

وقد راجع صاحبنا الجامعة في أمر هذه الكتب فأذنت له - بعد خطوب - في أن يشتريها وينتفع بها على أن تكون ملكا للجامعة ترد إليها بعد عودته إلى مصر.

ناپیژندل شوی مخ