وشع في عينيها وميض كالشرر الساطع وهي تقول: أظنك على حق.
فأحاط هو ذراعها بذراعه وهو يقول: بل إني على حق. - وماذا تريد؟ - هلم بنا.
وسار الاثنان شعلتين من الانتقام والرغبة تشقان طريقهما إلى الحريق، وكان الطريق طويلا، وكانت الثورة في نفسيهما تبحث عن الطريق الطويل، وراح الحديث ينحدر بينهما في قوة عارمة، ثم ما لبث أن أصابه بعض وهن، فإذا هو حديث طبيعي بلا رعد ولا نيران ولا وعيد، ثم انتهى آخر أمره إلى حديث هامس حلو يدغدغ الأذن والقلب والعقل، وراح الناقمان يسكب كل منهما على صاحبه أسلوبا من الفهم الهادئ الواعي، فترتاح نفس كانت ثائرة، ويهدأ مضطرب كان راعدا، ويسيران الطريق، طويل طريقهما، ولكنه نجوى بلا غزل، وأفكار معربدة بلا لذة ووهج أحمر يحف به، ولكنه وهج النار وليس وهج النور. الحديث بينهما يتصل بكلمة أو لا يتصل، لم تسله إلى أين؛ فقد كانت الأمكنة جميعها تستوي، أما هو فقد كان يعرف طريقه، وإن كان يسلكه لأول مرة، إنها شقة صديقه التي طالما دعاه إليها أغراه بأن مفتاحها عند البواب متروك لأقرب الأصدقاء. وعند البواب قائمة طويلة بهؤلاء الأصدقاء الذين يسمح لهم باستعمال المفتاح وهو أول هؤلاء الأصدقاء.
نعم إنه يعرف طريقه.
وبلغا العمارة وسألا البواب عن المفتاح فأخذاه وصعدا وفتحا الباب ثم أغلقاه عليهما، منفردين.
قلبت هي عينيها في المكان، وأمعن هو فيها النظر. ثم جذبها إلى صدره في عنف لم يكن بحاجة إليه فقد ألقت هي نفسها إلى صدره، ولفف شفتها فغاصت هي في أعماق قلبه تريد بها أن تنجو من عذاب زوجها وأيامها وجمالها وضميرها. وأحس هو الشفاه اللاهية، ولكنه أحس لهيب انتقام لا لهيب لذة، وأحست هي شفاهه الملتهبة، ولكنها لم تحس اللذة في هذا اللهيب وانفرجت الشفاه وتباعد الجسمان رويدا، ثم ألقت بنفسها إلى كرسي وهي تقول: أحس راحة.
فقال وهو يراوغ في الإجابة: بل ليس بعد. - بل إني أحس راحة ورضا. - إننا لم ننتقم من حياتنا بعد. - أما أنا فقد انتقمت. - لقد انتقمت بحديثي إليك، وقد كنت أحسب أنني واجدة جديدا إذا ما جئت إلى هنا، لا، لا جديد، لقد استرحت، وانتقمت.
ويقول الشاعر مستخزيا: وإني ولله مثلك، لقد ارتحت بحديثي إليك وانتقمت ، وما عدت أرجو بعد ذلك لذة.
أترى، لم تبق لنا لذة، لقد انتقمنا بالحديث، وبالحديث بلغنا أقصى غايات اللذة، فما بقاؤنا الآن؟ - نعم، ما بقاؤنا الآن؟
فهلم. - إلى أين؟
ناپیژندل شوی مخ