بدت إليزابيث شاحبة وباهتة، رغم المطر والريح التي ضربت وجهها. لكنها لم تش بشيء.
وإنما قالت بفتور: «أعتقد أنه كان يجدر به أن يودعنا.» «صدقيني يا عزيزتي، إنه في صالحك أنك تخلصت منه ...! كما قلت في البداية، إنه شاب بغيض للغاية!»
بعد ذلك بوقت قصير، بينما كانتا جالستين لتناول الإفطار، بعد أن تحممتا وارتدتا ملابس جافة، وصارتا في حال أفضل، قالت: «أخبريني، أي الأيام اليوم؟» «السبت يا عمتي.» «السبت. إذن هذا المساء سوف يصل القس العزيز. كم سيكون عدد الموجودين في القداس غدا؟ حسنا، أعتقد أننا جميعا سنكون هنا! كم هذا لطيف! سيكون السيد فلوري موجودا هو الآخر. أعتقد أنه قال إنه سوف يعود من الغابة غدا.» ثم أضافت بصوت يكاد ينم عن المحبة: «عزيزي السيد فلوري!»
الفصل الرابع والعشرون
كانت الساعة السادسة مساء تقريبا، حين أخذ يدق الجرس الغبي في البرج الصفيح ذي الستة أقدام للكنيسة كلانك-كلانك، كلانك-كلانك! حين شد ماتو العجوز الحبل من الداخل. كانت أشعة شمس الغروب، التي كسرتها العواصف الممطرة البعيدة، تغمر الميدان بضوء متألق جميل. تساقطت الأمطار في وقت سابق من اليوم، وسوف تمطر مرة أخرى. اجتمعت الطائفة المسيحية في كياوكتادا، وعددها خمسة عشر شخصا، عند باب الكنيسة في انتظار قداس المساء.
كان فلوري هناك بالفعل، والسيد ماكجريجور بقبعته الرمادية وملابسه المعتادة، والسيد فرانسيس والسيد صامويل، اللذان كان يتجولان مبتهجين في بذلتين من قماش الدريل غسلتا لتوهما؛ فقد كان قداس الكنيسة الذي يقام كل ستة أسابيع أهم حدث اجتماعي في حياتهما. القس، الذي كان رجلا طويل القامة ذا شعر أشيب ووجه مهذب حائل اللون، يرتدي نظارة أنف، كان واقفا على سلم الكنيسة في ثوبه الكهنوتي وروبه، اللذين كان قد وضعهما في منزل السيد ماكجريجور. كان يبتسم ابتسامة ودية لكن عاجزة بعض الشيء لأربعة مسيحيين من جماعة الكارين الإثنية في بورما بخدود متوردة كانوا قد جاءوا لينحنوا له تحية؛ فلم يكن يتحدث كلمة من لغتهم ولا يتحدثون هم لغته. كان ثمة مسيحي شرقي آخر، هندي أسمر محزون، من عرق غير محدد، وقف في الخلفية على استحياء. كان حاضرا دائما في قداسات الكنيسة، لكن لم يكن أحد يعلم من هو أو لماذا كان مسيحيا. لا شك أن المبشرين أسروه صغيرا وعمدوه؛ فالهنود الذين يعتنقون المسيحية وهم كبار يرتدون جميعا بلا استثناء تقريبا.
استطاع فلوري أن يرى إليزابيث وهي تنزل التل، ترتدي ثوبا بنفسجيا فاتحا، مع عمها وزوجته. كان قد رآها ذلك الصباح في النادي، تسنت لهما دقيقة فقط بمفردهما قبل مجيء الآخرين. كان قد سألها سؤالا واحدا فحسب. «هل رحل فيرال إلى الأبد؟» «نعم.»
لم يكن هناك حاجة لقول شيء آخر. أمسك ذراعيها ببساطة وجذبها إليه. وقد ذهبت طوعا، بل وبسعادة أيضا، هناك في ضوء النهار الساطع، القاسي على وجهه المشوه. ظلت للحظة متشبثة به تشبثا يشبه الأطفال. كان كأنه قد أنقذها أو حماها من شيء ما. رفع وجهها ليقبلها واندهش حين وجد أنها كانت تبكي. لم يكن هناك وقت للكلام حينذاك، ولا حتى ليسألها: «هل تتزوجينني؟» لا يهم، بعد القداس سيتوفر وقت كاف. وربما يزوجهما القس، في زيارته التالية، بعد ستة أسابيع فقط من ذلك الوقت.
كان إليس وويستفيلد وضابط الشرطة العسكرية الجديد آتين من النادي، حيث احتسوا بضعة مشروبات سريعة ليصمدوا في القداس. كان يتبعهم ضابط الغابات الذي أرسل ليشغل منصب ماكسويل، والذي كان رجلا شاحبا، طويلا، أصلع تماما إلا من خصلتين مثل الشارب أمام أذنيه. لم يتسن لفلوري وقت ليزيد عن قول: «مساء الخير.» لإليزابيث حين وصلت. لما رأى ماتو أن الجميع كانوا حاضرين، توقف عن قرع الجرس، وتقدمهم الكاهن في الدخول، يتبعه السيد ماكجريجور، حاملا قبعته أمام بطنه، وآل لاكرستين والمسيحيون من أهل البلد. قرص إليس فلوري في مرفقه وهمس في أذنه ثملا: «هيا، قف في الصف. حان وقت عرض التباكي. سريعا سر!»
دخل هو والضابط العسكري وراء الآخرين، يتأبط كل منهما ذراع الآخر، بحركات راقصة. ظل ضابط الشرطة يهز عجيزته الممتلئة مقلدا راقصة مهرجان البوي، حتى وصل إلى الداخل. جلس فلوري في نفس المقعد مع هذين الاثنين، في الجهة المقابلة لإليزابيث، إلى يمينها. كانت المرة الأولى على الإطلاق التي يجازف فيها بالجلوس بوحمته في مواجهتها. همس إليس وهم يجلسون، مجترا ضحكة من رجل الشرطة: «أغمضوا عيونكم وعدوا حتى خمسة وعشرين.» كانت السيدة لاكرستين قد اتخذت مجلسها خلف الهارمونيوم، الذي لم يكن أكبر حجما من طاولة الكتابة. أقام ماتو عند الباب وبدأ يسحب المروحة، كانت معدة بحيث تهوي على المقاعد الأمامية فقط؛ حيث يجلس الأوروبيون. جاءت فلو تتشمم الممر، حتى وجدت مقعد فلوري وجلست أسفله، وبدأ القداس.
ناپیژندل شوی مخ