الليلة موعد الكلمة التي سألقيها في جماعة «التوحيديين» عن مبادئ الإسلام؛ و«التوحيديون» جماعة مسيحية تنكر بنوة المسيح لله، وهم قليلون نسبيا في أمريكا بالقياس إلى أتباع المذاهب المسيحية الأخرى، لكنهم مرتقون في ثقافتهم بصفة عامة.
إنني فخور بنفسي فخرا أحسه الآن في دورة الدم وفي التنفس! إنني مليء بالزهو؛ لأنني في محاضرة اليوم عن مبادئ الإسلام قد بلغت - فيما أعتقد - أكمل ما يتمناه متكلم لنفسه في بسط وجهة نظره، وقد بدأت كلمتي بشيء من التحدي، قائلا إنني يا سادة ربيت في ظل الإسلام ونشأت في أحضانه وعلى مبادئه؛ لذلك فربما أكون قد عميت عن نقائصه، وسأشرح لكم الليلة مبادئه، وإني لأعترف لكم بالفضل ما حييت لو تفضلتم بعد كلمتي ففتحتم عيني على النقائص التي ربما عميت عنها، فإن لم تجدوا كان لزاما عليكم - لا أقول أن تدينوا بدين غير دينكم - بل أن تكفوا عن الاستخفاف بديانة يصعب عليكم أن توجهوا إليها النقد والتجريح.
وبعد ذلك فصلت الحديث في المبدأ الأول للإسلام، وهو التوحيد الذي جاء الإسلام به محققا لاستمرار الديانتين السابقتين الكبريين، وهما اليهودية والمسيحية، لكنه صحح أخطاءهما؛ أعني أخطاء الناس في تأويلهما؛ أما اليهودية فالإسلام مثلها يريد أن يكون الله واحدا وحدانية مطلقة غير مشروطة بأي شرط، لكن الإسلام لم يجعل الله - كما جعله اليهود - إقليميا محليا خاصا بشعب معين مختار دون سائر الناس؛ إذ يريد الإسلام أن يكون الله للبشر كافة بغير تفريق.
وكانت المسيحية قد حققت هذا التعميم الإنساني للدين، لكنها من جهة أخرى عددت الله في تثليث، فجاء الإسلام يأخذ بما أخذت به من تعميم بغير تمييز، لكنه وحد الله ولم يثلث.
وبعد إفاضة القول في التوحيد الذي يميز الإسلام، شرحت في اختصار سائر مبادئ الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج، مبينا قدر استطاعتي ما ينطوي عليه كل مبدأ من فلسفة وراءه.
وبدأت المناقشة، وهي التي ملأتني زهوا بنفسي؛ فقد هوجمت بأسئلة من كل أرجاء القاعة، فوهبني الله قدرة على الرد السريع لكل سؤال ردا مفحما، حتى لقد قال لي أحد الموجودين إنه يعجب لماذا لم أشتغل بالمحاماة لأكسب ملايين الدولارات؛ لأنه - هكذا قال لي - لم ير في حياته رجلا بهذه السرعة في الإدلاء بالحجة التي تدفع الخصم دفعا.
سئلت عن الإسلام أسئلة شتى: الإسلام والحب، الإسلام والحرب، الإسلام والمرأة ... إلخ إلخ، وكنت دائما موفقا، وكال لي الحاضرون إعجابا وتقديرا، وجاءتني السيدة «ب» - وهي من أكثر الناس أرستقراطية وترفعا - ولبثت تبدي لي من الإعجاب ما ملأني زهوا، كما جاءت السيدة «س» تبدي إعجابها هي الأخرى، قائلة إن طريقتي في رد الاعتراضات التي وجهت كانت معجزة؛ فقلت لها: يا سيدتي ليس في الأمر إعجاز، إنما المسألة كلها هي أن الناس لا يعرفون الإسلام وأنا أعرفه؛ الناس يحكمون على الإسلام دون أن يقرءوا عنه حرفا واحدا ...
رأيي هو أن المسلمين لو أرادوا لدينهم دعاية في البلاد المسيحية، ولا أقصد تبشيرا يثني الناس عن عقائدهم؛ لأن العقائد عندي كلها سواء فيما تؤديه للقلب من إشباع عاطفي، بل أقصد الدعاية التي تجعل الأمم المسيحية تدرك مجرد إدراك أن الإسلام دين في مستوى المسيحية واليهودية، ويزيد عليهما أنه جاء بعدهما فأدرك ما لم يدركاه من سلامة توحيد مع اتساع أفق ليسوي بين البشر أجمعين؛ فأكمل خطة هي أن يبرز متكلمونا أوجه الشبه بينه وبين تينك العقيدتين لا أوجه الاختلاف ... والحقيقة أنها ديانات ثلاث كالأفرع من شجرة واحدة، كلها سامي وكلها يدين بإله هو هو نفسه في العقائد الثلاثة ... فهل يأتي يوم يتآخى فيه البشر بقلوبهم كما أراد لهم الله أن يتآخوا؟
الإثنين 11 يناير
مطر متصل مع جو دافئ؛ جاءني طالب في مكتبي بالجامعة، وهو ممن يحضرون لي محاضرات الفلسفة اليونانية، وهو معيد بالجامعة في قسم الرياضة ... وطلب مني أن يحدثني حديثا خاصا فيما يشغل باله من شكوك دينية؛ جلس والقلم الرصاص على ظهر أذنه كما هي حاله دائما، والسيجارة في فمه.
ناپیژندل شوی مخ