وجميع العرب النازلين على شاطىء دجلة من بغداد إلى بلد لا يرعون الخيل في الصيف على أواريها على شاطىء دجلة، ولا يسقونها من مائها، لما يخاف عليها من الصدام، وغير ذلك من الآفات.
وأصحاب الخيل من العتاق والبراذين إنما يسقونها بسر من رأى، مما احتفروها من كرابهم، ولا يسقونها من ماء دجلة؛ وذلك أن ماء دجلة مختلط. وليس هو ماء واحدا، ينصب فيها من الزابين والنهروانات وماء الفرات، وغير ذلك من المياه.
واختلاف الطعام إذا دخل جوف الانسان من ألوان الطبيخ والإدام غير ضار، وإن دخل جوف الإنسان من شراب مختلف كنحو الخمر والسكر ونبيذ التمر والداذي كان ضارا. وكذلك الماء، لأنه متى أراد أن يتجرع جرعا من الماء الحار لصدره أو لغير ذلك، فإن أعجله أمر فبرده بماء بارد ثم حساه ضره ذلك، وإن تركه حتى يفتر ببرد الهواء لم يضره. وسبيل المشروب غير سبيل المأكول.
فإن كان هذا فضيلة مائنا على ماء دجلة فما ظنك بفضله على ماء البصرة، وهو ماء مختلط من ماء البحر ومن الماء المستنقع في أصول القصب والبردي؟ قال الله تعالى: هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج.
والفرات أعذبها عذوبة، وإنما اشتق الفرات لكل ماء عذب، من فرات الكوفة.
فصل منه: كان يقال: الدنيا البصرة.
وقال الأحنف لأهل الكوفة: «نحن أغذى منكم برية، وأكثر منكم بحرية، وأبعد منكم سرية، وأكثر منكم ذرية» .
وقال الخليل بن أحمد في وصف القصر المذكور بالبصرة:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي
لا بد من زورة عن غير ميعاد
ترى بها السفن والظلمان واقفة
والضب والنون والملاح والحادي
مخ ۱۱۶