265

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

همست لشريف في الليل، سأعيش حتى القرن الثاني والعشرين، ضحك شريف وقال: بالأمس قلت يا نوال إنك ستموتين غدا. نعم يا شريف، كان ذلك بالأمس، لكن اليوم أنا شابة من جديد، ما رأيك في كأس من النبيذ وقليل من الفول السوداني، وكثير من الحب؟! يضحك شريف، الساعة الآن الثالثة صباحا يا نوال. إيه يعني يا شريف؟! وليه تبص في الساعة؟! تعود شريف أن ينام والساعة حول معصمه، وخاتم الزواج حول إصبعه، أي خاتم، ولا أعترف بأي خاتم.

يقول شريف عنها: «الفوضى الضرورية لأي نظام»، نحن في حاجة إلى شيء من الفوضى لندرك النظام، شريف كان يدرس معي في جامعة ديوك المادة الجديدة التي أطلقنا عليها اسم «التمرد والإبداع». حين التقيت بشريف لأول مرة منذ ستة وثلاثين عاما قلت له: أنت يا شريف متمرد ومبدع، في أعماقك حنين للفوضى رغم مظهرك الخارجي المنظم جدا.

أصبحت نظرية الفوضى في علم الكون الجديد جزءا لا ينفصل عن النظام، وفي علم الفلسفة الجديد أصبح الشيطان جزءا من الإله، تلاشت الثنائيات الباطلة الموروثة منذ نشوء العبودية؛ ومنها ثنائية الذكر والأنثى والحاكم والمحكوم؛ ألهذا السبب لا أعترف بأي حكومة في العالم؟! تشترك الحكومات جميعا في بعض الصفات الأساسية، على رأسها القهر والتضليل، ما إن ترن كلمة «حكومة» في أذني حتى تتكور يدي في قبضة قوية، كأنما سأضرب رأس ثعبان.

وأندهش حين يفخر أحد بمنصبه العالي في الحكومة، أو حين ينال جائزة حكومية تحمل اسم جائزة الدولة. - ما الفرق بين الحكومة والدولة؟ - في الأنظمة الدكتاتورية لا يوجد فرق؛ لأن الشعب لا يشارك في الحكم. - وهل يشارك الشعب في أي حكم في العالم؟ - في عالمنا الطبقي الأبوي هذا؟ - نعم. - لا توجد ديموقراطية حقيقية في أي بلد، العالم تحكمه القوة والأموال وليس العدل أو الحرية.

يدور الحوار في بيتنا عام 2000 كما كان يدور منذ نصف قرن في بيت أبي، سقط النظام الملكي وبدأ النظام الجمهوري وظلت الحكومات كما هي، لا يمكن لحكومة أن تبقى مستقرة فوق عرشها دون قهر الشعب وتضليله، كان أبي يقول: لا شيء يضلل الشعب مثل نظام التعليم.

كنت في الثامنة والعشرين من عمري حين مات أبي، كلماته محفورة في ذاكرتي، وزارة التعليم تلعب دورا في تجهيل الناس بالحقيقة ، المعرفة إثم حتى اليوم، أصبحت عمليات التجهيل أكثر إتقانا مع تطور تكنولوجيا التعليم والإعلام الحديث وما بعد الحديث.

في أعماقي حنين منذ الطفولة للمعرفة، شهوة المعرفة أكبر عندي من الشهوة الجنسية، لا يجذبني الرجال ذوو الفحولة الذكورية، لقد مر بحياتي رجال كثيرون، انجذبوا إلى أنوثتي الخادعة، إلى البريق المطل من العينين، تصوروا أنني أبادلهم الحب، لكن سرعان ما تحدث المأساة، تصطدم الذكورة التقليدية بأنوثة مختلفة غير قابلة للاختراق.

بعد موت أبي وأمي تصورت أنني تحررت، في طفولتي كنت أحلم أنهما ماتا لأخرج من البيت بدون إذن، أصحو من النوم مبللة بالدموع، أبكي على موتهما بمثل ما أبكي على عدم موتهما.

بعد موت أبي جاءت صديقتي بطة لتعزيني، مرت علي بعيادتي في ميدان الجيزة، كانت الساعة السابعة أول الليل، العيادة خالية من المرضى والتمورجي في إجازة، انتهزت فرصة موت أبي لأغلق عيادتي شهرا كاملا، علقت ورقة على الباب تقول: «العيادة مغلقة حتى يوم 21 مارس»، كنت أريد أن أكتب «العيادة مغلقة إلى الأبد»، لقد فتحت هذه العيادة من أجل أبي، دخلت كلية الطب من أجل أبي، وقد مات أبي وانتهت علاقتي بمهنة الطب، أما العيادة فقد أصبحت مقرا لندوات الأدب، حيث ألتقي الأصدقاء والصديقات.

دخلت بطة كعادتها مثل ريح تدفع الباب، تدق الأرض بكعب حذائها العالي المدبب، جسمها السمين القصير مدكوك داخل ثوب حريري أسود، علامة الحداد على موت أبي، فتحة الصدر واسعة تكشف عن عنق سمين ناعم حتى الشق العميق بين النهدين المضغوطين بالمشد، رأت وجهي الشاحب الحزين فجلست مطرقة إلى الأرض ترسم على وجهها علامات الحزن، عيناها السوداوان الواسعتان مرسومتان بالكحل، تملأهما ضحكة مرحة مكتومة الصوت. - تشربي إيه يا بطة؟ - قهوة سادة سوداء يا نوال، مش كده ولا إيه؟

ناپیژندل شوی مخ