256

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

في ديسمبر 1964 تزوجت شريف، ترك بيت أسرته في الزمالك وأصبح يشاركني شقتي الصغيرة، ثلاث غرف وصالة، غرفة مستقلة لابنتي تشمل سريرها، دولاب ملابسها، مكتبها الصغير، مكتبها به رفوف حتى السقف تحمل كتبها، كراريسها، ألبومات الصور، علب الألوان، شرائط الموسيقى، والأفلام. منذ العاشرة من عمرها أصبحت تكتب خواطرها في مفكرة تشبه مفكرتي وأنا في مثل عمرها. أصبح لها أخ اسمه عاطف، ولدته في المستشفى الجامعي في مدينة نيويورك فجر يوم 10 ديسمبر 1965، كنت أدرس في جامعة كولومبيا للحصول على درجة الماجستير، عدت إلى مصر أحمل ابني وشهادة التفوق، عمره سبعة أشهر، بشرته سمراء بلون بشرتي، عيناه سوداوان يكسوهما بريق، فرحت ابنتي منى بأخيها، أصبح شريف أبا لأول مرة في حياته، حمل عاطف بين ذراعيه وقال: طفل جميل يا نوال لأنه يشبهك، عيناه السوداوان وبريق الذكاء. ضحكت وقلت: ربما بريق ذكاء الأب ... ألست أكثر مني ذكاء يا شريف؟! ضحكت ابنتنا الطفلة وقالت أظن أنه ورث ذكاء أخته أكثر من الأب أو الأم!

أصبح لعاطف غرفة خاصة به في الشقة الصغيرة ، بها سريره ودولاب ملابسه، مكتبه الصغير، مكتبة بها رفوف حتى السقف تحمل كتبه، كراريسه، ألبومات الصور، علب الألوان، شرائط الموسيقى والأفلام السينمائية، منذ طفولته عشق عاطف السينما والموسيقى، يعزف على الجيتار، يسجل أفكاره مثل ابنتنا منى في مفكرته الخاصة.

الغرفة الثالثة في الشقة اقتسمتها مع شريف، لكل منا سرير صغير، دولاب ملابس، مكتب صغير، مكتبة لها رفوف حتى السقف، منذ تزوجنا عشنا في هذه الغرفة، نكتب فيها وننام ونقرأ ونسمع الموسيقى ونشاهد الأفلام. كانت هذه الغرفة هي حياتنا، المساحة الصغيرة الدافئة التي تضمنا، لم تكف الحكومة عن مطاردتنا داخل هذه الشقة الصغيرة، حوطها رجال البوليس والحراسة والبودي جارد، تخلل نوافذها الأصوات الزاعقة في الميكروفونات تهدر دمنا، وأجهزة الإعلام والصحف تنشر - والهواء في الليل - الإشاعات، قطعوا الأشجار في الشارع أمامنا، حلت مكانها العمارات العالية والجدران الأسمنت، حجبت عنا الشمس، تتسرب من شقوق الشيش أضواء النيون المتحركة من حول الديسكو كلاب، ومآذن الجوامع التي أصبحت تتوالد وتتكاثر على نحو سريع ، لا يفوقها سرعة إلا توالد وتكاثر محلات ماكدونالد الأمريكية، أغلقت المحلات المصرية أبوابها واختفت المنتجات المحلية من السوق.

حين عدنا من المنفى عام 1997 وجدنا شقة الجيزة مظلمة خانقة مثل زنزانة السجن، تعشعش فيها ذكريات سوداء، فقدنا فيها الزمن والطمأنينة، لم يكن لنا أن نعيش داخل هذه الشقة، انتقلنا إلى الشقة الجديدة في حي شبرا القديم، غرفتان فقط والصالة، وغرفة خاصة بشريف ينام فيها، الصالة للاستقبال ومنضدة صغيرة للطعام في المطبخ، وشرفة صغيرة تطل على النيل من الدور السادس والعشرين في حي شبرا القديم.

استقلت ابنتنا في حياتها الخاصة، أصبحت الدكتورة منى حلمي الكاتبة والأديبة المعروفة، لها مؤلفاتها وكتبها ومقالاتها في الصحف والمجلات، ابننا استقل بحياته الخاصة، أصبح المخرج السينمائي عاطف حتاتة، يهتم النقاد بأفلامه الروائية، يقولون إنها تفتح بابا جديدا في السينما المصرية حصلت أفلامه على جوائز مهمة داخل مصر وخارجها.

أصبحت أنا وشريف نعيش وحدنا في شقة شبرا الصغيرة، نهبط الأدوار الستة والعشرين كل صباح في الساعة السادسة، نمشي على شاطئ النيل مسافة سبعة كيلومترات، نعود لنشرب الشاي مع الجبنة القريش أو الزبادي بدون دسم، وعسل النحل والخبز البلدي المحمص.

أصبح لنا عدد قليل من الأصدقاء والصديقات، يتناقص عددهم بمرور السنين، يموت بعضهم أو يهاجرون، أو ينشغلون بمشاكل الأولاد والأحفاد، مرت السنوات دون أن أسمع صوت الصديقات القديمات بطة وصفية وسامية، أقرأ أخبارهن من حين إلى حين، أو يرن جرس التليفون بعد غياب السنين ويأتيني صوت إحداهن.

لم تنقطع زيارات الشباب والشابات إلى بيتنا منذ عودتنا من المنفى، أجيال جديدة من المبدعين والمبدعات في مجال الأدب والفن والسينما، بدأنا فكرة تكوين مدرسة فكرية جديدة تضم هؤلاء الشباب والشابات، أصبحت الفكرة تنمو، تتخذ شكلا أكثر تحديدا في ظل القوانين المتغيرة، خاصة قانون الجمعيات الجديد الذي ما إن صدر في نهاية عام 1999 حتى ألغته المحكمة الدستورية العليا في بداية العام 2000، وفي مصر يحكمنا قانون الطوارئ الذي يحرم الاجتماعات، ويسوق إلى السجن أي مجموعة لا ترضى عنها القوى الحاكمة المسيطرة.

ثم دق جرس التليفون في بيتي ذات يوم من أيام شهر يونيو الماضي، صوت رجل عبر الأسلاك يقول: بطة هانم معاك على الخط يا دكتورة.

كلمة هانم لم أسمعها من نصف قرن، في طفولتي كانت النساء في عائلة جدي شكري بيه يحملن لقب الهانم، أمي كان أبي يناديها أحيانا زينب هانم، لم تكن النساء في عائلة أبي الفقيرة في قرية كفر طحلة يحملن لقب هانم، كلمة هانم توحي بالرقة والنعومة والانتماء إلى الطبقات العليا وسلالات الأتراك منذ المماليك والإمبراطورية العثمانية. - بطة هانم يا دكتورة معاك على الخط.

ناپیژندل شوی مخ