254

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

كنت أنسى هذه الحكايات عن الخيانات الزوجية، ما أكثر هذه الحكايات التي سمعتها من الصديقات، ومن النساء اللائي يترددن على عيادتي أو بيتي، تشبعت ذاكرتي بهذه الحكايات فلم أعد أسمعها، وهي قصص متشابهة إلى حد كبير، الرجل الذي يخون زوجته في السر، تكشف الزوجة الخيانة، الصدمة والغضب والرغبة في الانتقام، أكثر مما يخيفها غضب زوجها أو غضب الله، تخشى الطلاق أكثر مما تخشى نار الآخرة، أكثر ما تخشاه أن تتحول العشيقة السرية إلى زوجة ثانية، وكم من زوج أقدم على الزواج من عشيقته كنوع من العقاب لزوجته التي كشفت السر، وقد منحه الله والقانون حق الزواج بأربع نساء.

أصبحت صفية تتردد على طبيب نفسي اسمه الدكتور عبد القادر، كان زميلا لنا في كلية الطب، منذ الصدمة الأولى حينما عرفت لأول مرة أن زوجها يخونها ذهبت إلى الدكتور عبد القادر، كان يكتب لها بعض الأدوية المهدئة للأعصاب، يتابع حالتها منذ خمس سنوات، تشعر بشيء من الراحة حين تتحدث معه، يكن لها نوعا من الإعجاب أو الحب منذ أيام الدراسة، أراد أن يقيم معها علاقة، ترددت صفية وامتنعت ربما بسبب الخوف، لكن الدكتور عبد القادر كان يرى أن صفية مريضة.

بالوفاء الزوجي، يقول لها: الوفاء مرض نفسي عند كل الزوجات مثل الوفاء عند الكلاب، يعطيه اسما علميا في الطب النفسي، ويحكي لها قصة الكلب الوفي.

حكت لي صفية القصة كما حكاها لها الدكتور عبد القادر: اشترى الشاب الأعمى كلبا صغيرا بخمسة وعشرين قرشا ليقوده في الطريق، ظل الكلب مع سيده خمس سنوات، شفي الشاب وعاد إليه بصره، حاول أن يستغني عن الكلب، رفض أن يفارق سيده، كان للكلب دور هام في حياة سيده الأعمى، أصبح الكلب هو عيناه يرى بهما بدلا من عينيه المريضتين، أحب الكلب هذا الدور، أحب سيده وأخلص له كل الإخلاص، أصبح إحساسه بحاجة سيده إليه هو الحب في نظر الكلب، وهو القانون الذي يحكم علاقة الكلاب بأسيادها ويجعلها وفية لهم، لكن السيد شفي ولم يعد بحاجة إلى الكلب، كيف يتحمل الكلب هذا الموقف الجديد عليه؟ إنه يرفض التنازل عن الدور الذي يؤديه لسيده، دوره الوحيد في الحياة ولا دور غيره، أصبح وجود الكلب يعتمد على وجود سيده، لم يعد هناك كلب له ذات مستقلة عن ذات سيده، لم يعد هناك «أنا وأنت» أصبح «أنت» فقط، ذابت شخصية الكلب في شخصية سيده، كالزوجة التي تذوب شخصيتها في شخصية زوجها، إزاء هذا التفاني وهذه التضحية وافق السيد على رغبة الكلب ولم يطرده من بيته كما تطرد المرأة المطلقة. ثم مات السيد، توقف الكلب عن الأكل، ارتدى الحداد ومات حزنا على سيده كالأرمل التي تموت بموت زوجها، هذا الإخلاص والوفاء يسميه الدكتور عبد القادر «الوفاء الكلابي»، وثمن شراء الكلب خمسة وعشرون قرشا، مثل الحد الأدنى للمهر في عقد الزواج.

كفت صفية عن الحديث، وامتلأت عيناها بالدموع وهي تردد لنفسها بصوت مشروخ: وفاء كلابي!

كان ذلك في نهاية عام 1978، وكان شريف قد أمضى أربع سنوات بعيدا في الهند، الرسائل بيننا متصلة، تنقطع أحيانا لانشغاله في العمل، أو لانشغالي في عملي، مسئولية البيت والابنة والابن، وفي الليل أجلس إلى أوراقي أكتب روايتي الجديدة، ومقاومة حرب الإشاعات التي أطلقها أعوان السادات ضدي، وضد كل من عارض سياسة الانفتاح، أي فتح أسواق مصر للبضائع الأجنبية دون ضوابط، تدمير الإنتاج والصناعات المصرية، تكميم الأفواه واستيلاء موظفي الحكومة على الصحف والإعلام ودور النشر. بدأ نقاد الأدب المعينون في المؤسسات الصحفية الهجوم على أعمالي الأدبية، بدأت الصحف الإسلامية الحكومية الجديدة تشوه صورتي ترسمني على شكل الشيطان، الذي يحارب الإسلام ويتمرد على القيم والآداب العامة.

وجدت نفسي معزولة داخل البيت، هرب الأصدقاء والصديقات، انضم بعضهم إلى حزب الحكومة، البعض الآخر إلى حزب الإخوان المسلمين، وأحزاب المعارضة يسار ويمين، كان السادات قد أصدر قراره بإنشاء الأحزاب، واختيار أعضائها ورؤسائها، أصبحت هذه المعارضة الشرعية بديلا للمعارضة الشعبية الحقيقية.

شعرت بالاختناق والغربة، أغرقت نفسي في العمل والكتابة، امتنعت دور النشر في مصر عن نشر أعمالي، أرسلتها إلى دور النشر في لبنان، اخترقت الحصار المفروض علي، انتشرت كتبي في البلاد العربية، أصبحت الرسائل تصلني من المغرب والمشرق، القراء والقارئات العربيات، أصبحت هذه الرسائل تشجعني على الاستمرار في الكتابة، اختفى اسمي من القائمة الرسمية للأديبات في مصر، تم طردي من لجنة القصة في المجلس الأعلى للفنون والآداب، أصبح نقاد الأدب يتبارون في الهجوم على أعمالي وكتاباتي، ويقولون إنها لا تنتمي إلى الأدب، إنها مجرد بحوث طبية أو اجتماعية، إنها تسيء إلى المجتمع، تشوه صورة الوطن والدين، تدعو إلى الفوضى والإباحية، ترفض القيم الأصلية والتراث المجيد.

ظهر على سطح الحياة الأدبية نساء موظفات مواليات للنظام الحاكم، يضعن الحجاب على عقولهن، تملك كل منهن عمودا في جريدة حكومية كبرى، أو صفحة كاملة تعرض فيها الأزياء والمكياج، تحولت الصحفيات فجأة إلى أديبات، يحملن لقب مبدعة أو كاتبة كبيرة؛ كالحلية تتدلى من الأذنين، وفصوص الماس تلتف حول العنق، والتيربون الأنيق يغطي الشعر إلا خصلة أمامية تتدلى فوق الجبين، والروج الأحمر القاني بلون الشفتين، والبشرة المشدودة بالعملية الجراحية في نيويورك أو باريس أو لندن، والمساحيق تغطي ما قد يظهر من تجاعيد، والعبارات الإنشائية الضخمة عن الخصوصية والهوية الإسلامية.

لم يكن لي مكان داخل هذا الصخب، جاءتني فرصة للعمل خارج مصر بالأمم المتحدة، سافرت إلى أديس أبابا بالحبشة عام 1978، وإلى بيروت بلبنان عام 1979، قدمت استقالتي في نهاية 1980 وعدت إلى مصر، أدركت أن الأمم المتحدة لا يختلف نظامها عن الحكومة المصرية وغيرها من الحكومات، الداخل إليها مفقود والخارج مولود، النظام الطبقي الأبوي تسيطر فيه القوة على الحق، تسيطر الأموال على الفكر والإبداع، يسيطر الرئيس على المرءوسين والمرءوسات، خاصة الصغيرات السن، الرقيقات الناعمات المعطرات، الناعسات العيون المسدلات الجفون، يخفق قلب الواحدة منهن للحب، في المؤتمر الدولي على جبال سويسرا في الصيف، أو في الشتاء تحت أشعة الشمس الاستوائية في سري لانكا أو الهند، وفي الربيع يعقد المؤتمر الدولي لمناقشة مشاكل الفقر والجوع في العالم، أو مشاكل ختان الإناث وحوادث الاغتصاب، يتبارى خبراء الأمم المتحدة في إلقاء الخطب عن الجنس أو الاقتصاد، وفي الليل يتبارون على الرقص مع الخبيرات الشابات، ينجذب الخبير الإفريقي الأسود إلى الشقراوات البيضاوات من الشمال.

ناپیژندل شوی مخ