234

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

إنه عام 1967 شهر يونيو، بالضبط 10 يونيو، وأنا أمشي بجوار شريف في شارع الجيزة، الساعة الرابعة صباحا قبل طلوع الفجر بقليل، الدنيا ظلام، الناس تمشي في الليل كمن يمشون في الحلم، خرجوا من بيوتهم يهتفون ضد الهزيمة، يطالبون بالسلاح، الحرب والقتال حتى الموت، تحيا مصر حرة، الأجساد تغطي الشوارع، لا مكان لقدم، مثل يوم الحشر حين ينهض الموتى من القبور أفواجا أفواجا، وأنا أمشي إلى جوار شريف، كما مشيت إلى جوار أحمد في المظاهرة الصامتة منذ ستة عشر عاما، الخطوة فوق الأرض هادئة ثابتة، الصوت هادئ يشبه الصوت، العينان يكسوهما البريق ذاته والحلم ذاته، تحيا مصر حرة، نموت فداء الوطن، صوت عبد الناصر يهتف في الإذاعات سنقاتل حتى النصر ، الملايين في الشوارع تهتف في نفس واحد: النصر! النصر!

منذ العاشرة من عمري وأنا أهتف معهم، في المدرسة الابتدائية في منوف، في المدرسة الثانوية في حلوان، في كلية الطب في شارع قصر العيني، في نقابة الأطباء بدار الحكمة، في وزارة الصحة بشارع مجلس الأمة، وفي شوارع القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية وبورسعيد والجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وقنا وأسوان.

سمعت شريف يهتف مع الناس: الموت حتى النصر! عيناه يكسوهما بريق الحلم الطفولي، كالدمعة الحبيسة لا تسقط ولا تجف. خرج من السجن بعد حكم بالأشغال الشاقة أربعة عشر عاما، خرج نحيف العود منتصب الرأس أكثر صلابة مما كان، لم يفقد الحلم ولا الأمل، يفكر بالليل والنهار في الثورة، يهب من النوم حاملا سلاحه، يندفع في الظلام يمشي فوق الموت لا يتوقف، يسقط بين أيدي البوليس، يدخل السجن ويخرج ثم يدخل ويخرج. يسير إلى جواري صامتا يفكر، الرجال من حوله يتكلمون ويثرثرون، يتناثر في الجو رذاذ لعابهم، لا يكفون عن الكلام ، يقاطع بعضهم بعضا، يتكلمون في وقت واحد وهو صامت، وإذا تكلم صمت الجميع.

منذ أن صدرت القرارات الاشتراكية عام 1962 أصبح الناس أعضاء في الاتحاد الاشتراكي، صدرت الأوامر الإدارية ودخل الموظفون والموظفات الحزب الوحيد، لم يتخلف أحد في الوزارات أو الجامعات أو مؤسسات الدولة خوفا من الجهاز الحكومي، أقدم جهاز في التاريخ البشري منذ الفراعنة، لم يعرف الشعب المصري إلا حكم الفراعنة أو الاحتلال الأجنبي. جاء القرن الواحد والعشرون ولم يتحرر الشعب المصري بعد، تغيرت الأسماء والوجوه والألقاب وطرق الاستعباد والاستبداد، وبقي فرعون على حاله ومعه الاحتلال الأجنبي، تخلص الشعب المصري من السيطرة الأجنبية بضعة أعوام قليلة ثم سرعان ما عادوا.

كلمة «الاشتراكية» كانت تجري على لسان جمال عبد الناصر قبل الهزيمة بأعوام قليلة، بالضبط منذ عام 1962، ما يجري على لسان رئيس الدولة يجري على ألسنة رجال البلاط من الوزراء والموظفين والمثقفين من أصحاب الأقلام في الصحف والمجلات. بدأت الوجوه تظهر على شاشة التلفزيون، السيد الرئيس من حوله كبار رجال الدولة والأدباء والصحفيين، أصبحوا يحملون لقب النخبة، يندرجون تحت فئة المثقفين، إحدى فئات الشعب العامل الخمسة «العمال والفلاحون والجنود والرأسمالية الوطنية والمثقفون». كلمة فئات تبدو أكثر براءة من كلمة طبقات، مفردها كلمة طبقة، تنطوي على الصراع الطبقي أو الشيوعية. رئيس الدولة أصبح ينطق عبارة جديدة «تذويب الفوارق بين الطبقات»، انتشرت العبارة في كل مكان، يرددها رجال البلاط والمثقفون وأصحاب الأقلام، ينطقون العبارة بصوت رئيس الدولة، واللهجة ذاتها، يخرجون لسانهم عند نطق حرف الذال في كلمة «تذويب».

كانت بطة لا تزال صديقتي هي وصفية وسامية، اكتشفت بطة جذورها الفقيرة من الفلاحين في قرية السنبلاوين، زوجها الدكتور حمدي اكتشف أن أباه كان عاملا في مصانع النسيج بالمحلة الكبرى، ارتدى الدكتور حمدي بدلة زرقاء كحلية من تيل المحلة، لها ياقة مكوية منشاة شديدة الأناقة تشبه ياقة وزير الخارجية، رشح نفسه في الانتخابات ودخل مجلس الشعب تحت فئة العمال.

لم ينجح الدكتور مصطفى زوج صديقتي صفية في الانتخابات تحت فئة الفلاحين، رغم ارتدائه الجلباب والطاقية ، وتحريك السبحة بين أصابعه بالحركة ذاتها مثل السيد الرئيس والوزراء والمثقفين ورجال البلاط، إلا أنه أصدر كتابا جديدا عن الاشتراكية في الإسلام، أوضح الخلاف بين الاشتراكية الإيمانية الإسلامية والشيوعية المادية الإلحادية. قال الاشتراكية بدأت في الإسلام بأبي ذر الغفاري رضي الله عنه، والرسول

صلى الله عليه وسلم

كان اشتراكيا يحارب أغنياء قريش من أجل «تذويب الفوارق» بين الطبقات في الجزيرة العربية، ثم استطرد قائلا: كلمة «تذويب الفوارق» لا تعني إلغاء الفوارق؛ لأن الله خلق الناس درجات، وهذا هو الفرق بين الاشتراكية الإيمانية والشيوعية الإلحادية، الشيوعية ترى العالم بدون طبقات على الإطلاق، مما يخالف كلام الله في الكتب السماوية، وفي القرآن نص لا يقبل التفسير ولا التأويل، خلقنا الله درجات، أي طبقات، طبقة فوق طبقة، طبقة أعلى وطبقة أدنى، وخلقنا الله من نفس واحدة ذكر وأنثى، لكن الذكر أعلى من الأنثى، والرجال عليهن درجة، إن هؤلاء النساء اللائي يحاولن مساواة المرأة بالرجل يخالفن كلام الله في القرآن والكتب السماوية.

أصبح الدكتور مصطفى أحد كبار المفكرين في مصر، اسمه الدكتور مصطفى الزهيري، زوج صديقتي الدكتورة صفية. كانت صفية تؤمن بأن الناس خلقوا درجات أو طبقات، لكنها لم تؤمن بأن الرجل يرتفع عن المرأة درجة. صديقتي سامية لم تكن تؤمن بالفكرتين معا، تمط شفتيها وتقول: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين عربي وأعجمي ولا رجل ولا امرأة إلا بالصلاح والتقوى. لم تعد بطة تكركر بالضحك، أصبحت تجلس في وقار تضع الساق فوق الساق، يكشف فستانها الحريري الضيق عن ركبتين كبيرتين مكتنزتين باللحم، أصبحت بطة تحتل منصبا كبيرا في الاتحاد الاشتراكي، وعضوا بارزا في نقابة الصحفيين، كيف تحولت بطة من طبيبة إلى صحفية؟ أعضاء الاتحاد الاشتراكي دخول وزارة جديدة اسمها وزارة الثقافة والإعلام، احتلوا المناصب العالية في مبنى التلفزيون الجديد، ومبنى الإذاعة، والمؤسسات الصحفية الجديدة ودور النشر ومجلس الثقافة الأعلى الدائم واللجان التي أصبحت تحمل لقب اللجان الدائمة. أم إبراهيم كانت تقول: الدوام لله.

ناپیژندل شوی مخ