217

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

أول مرة أسمع عن قائمة الموت أو إهدار الدم كان عام 1988، أرسلت الحكومة حراسة أمام بيتي في الجيزة، وبودي جارد لحماية حياتي، لم أكن أدرك فكرة إهدار الدم، لم أسمع اسمي يرن في الليل من فوق الجوامع. وقال شريف: ما رأيك أطلب لطيفة الزيات في التليفون، لا بد أن لديها بعض معلومات؟

لم تشأ لطيفة الزيات أن تتكلم عبر الأسلاك. أنت عارف يا شريف، التليفونات عليها رقابة، أنا جاية الجيزة ويمكن أمر عليكم بالبيت، بوسلي نوال يا شريف.

كانت لطيفة الزيات صديقتي منذ نهاية الستينات نلتقي بصفة منتظمة في اجتماعات لجنة القصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، وكان لها أخ يحتل منصبا كبيرا في الدولة، يلتقي بالسادات أحيانا، يهمس لأخته لطيفة أحيانا بمعلومات لا يعرفها أحد. حين فقدت منصبي في وزارة الصحة في أغسطس عام 1972 همست لطيفة في أذني: السادات بيقول لسانك طويل. وأطلقت ضحكتها العالية على شكل قهقهات متقطعة، ومدت يدها البضة الناعمة وأمسكت يدي، وراحت دون انقطاع، يتورد وجهها الممتلئ، يقفز الخدان المكتنزان إلى أعلى، يضغطان على العينين الصغيرتين، تنغلق الجفون إلا من شق ضيق يطل منه جزء من النني على شكل خط أسود، يصبح وجهها مستديرا كوجوه الأطفال، يهتز جسمها المربع الممتلئ. أسمع ضحكتها في الشارع قبل أن أدخل بيتها، تذكرني بضحكة أمي، لكن جسد أمي لم يكن يهتز، وكان لضحكتها رنين في الجو يشبه رنين الفضة المجلوة. لم تكن أمي تدخن ولم يكن صوتها مبحوحا أو مشروخا بالدخان. كنت أضحك مع لطيفة وأقول لها: أنت مدخنة يا لطيفة. تموت على نفسها من الضحك، ثم تصمت فجأة، تكسو وجهها سحابة حزن وتقول: أعمل إيه يا نوال، خلاص ما فيش لذة في حياتي إلا دي. وتشير إلى السيجارة بين شفتيها.

كانت تجلس إلى جواري في لجنة القصة، يجلس توفيق الحكيم عند رأس المائدة؛ فهو رئيس اللجنة، يجلس نجيب محفوظ وثروت أباظة عن يمينه، ويجلس يوسف إدريس ويوسف الشاروني عن يساره. يفتح توفيق الحكيم الحديث عن الاشتراكية والرأسمالية، ثم يطرح السؤال: هل الله اشتراكي أم رأسمالي؟ يقهقه يوسف إدريس ويقول: أعتقد أنه من أهل الوسط يا أستاذ توفيق. تقهقه لطيفة الزيات وتقول: يعني قصدك من الحكومة؟

لم يكن مثل هذا الحديث يعجب بقية الأعضاء، لكن أحدا لم يكن يعترض على الرئيس، منذ الإله أخناتون ورمسيس الأول، يحترم المصريون الملوك والرؤساء. يدرك توفيق الحكيم هذه الحقيقة ويسترسل في حديثه متجاوزا الخطوط الحمراء، يحكي بعض الفكاهات عن الملك فاروق، يضحك يوسف إدريس ويقول: النكتة دي فيها إسقاط يا أستاذ توفيق؟ إسقاط على مين يا يوسف؟! وينفجر أعضاء اللجنة بالضحك، تتصاعد القهقهات مع دخان السجائر حتى السقف.

ثم ينتقل توفيق الحكيم من السياسة إلى المرأة، لا يمل الحديث عن المرأة، رغم أنه كان يحمل لقب عدو المرأة. تلمع عيناه وهو يتحدث، تدوران على وجوه الرجال أعضاء لجنة القصة، ثم تثبتان على وجه واحدة من الأديبات.

رغم كهولة توفيق الحكيم كان يتمتع بحيوية تفوق الشباب، شعره الأبيض مع البريق في العينين يضفي عليه جاذبية خاصة. تنقضي الساعة وراء الساعة وهو يحكي النوادر والفكاهات عن أيام شبابه، يحرك رأسه ويديه في حماس ويقول: المرأة ملاك أو شيطان ولا ثالث لهما. يهتف أعضاء اللجنة في نفس واحد على رأسهم يوسف إدريس: تمام يا أستاذ!

يرمقني توفيق الحكيم بطرف عين، يراني صامتة مترفعة عن الرد، أفكر في شيء آخر، تطلق لطيفة الزيات ضحكتها، القهقهة المتقطعة المتصلة، تشعل سيجارة جديدة بأصابع ترتعش قليلا، يهتز جسمها مع الضحك، تمد يدها المهتزة تحت المائدة وتمسك يدي، تقرب فمها من أذني وتهمس: عينه عليكي يا نوال! - مين يا لطيفة؟ - يعني مش عارفة؟! •••

حين دخل اسمي قائمة الموت عام 1988، همست لطيفة الزيات في أذني: بيقولوا يا نوال روايتك سقوط الإمام فيها إسقاط! - إسقاط! - أيوه يا نوال. - إسقاط على مين؟! - على السادات. - ده مات يا لطيفة من سبع سنين! - بيقولوا لسه عايش.

وأطلقت ضحكتها الطويلة المتقطعة الأنفاس، أشعلت السيجارة وراء السيجارة، تحكي لي الحكاية المرة بعد المرة، تنسى أنها حكتها من قبل، ترتعش أصابعها وهي تشعل عود الكبريت، تضحك بعد كل عبارة تنطقها وتمد يدها لتمسك يدي. •••

ناپیژندل شوی مخ