191

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

أحيانا كنت أنسى أنني طبيبة، يستهويني الأدب، تتغلب الأديبة على الطبيبة، إلا أن الصديقات والأصدقاء لا ينسون، ما إن يشكو أحدهم أو إحداهن المرض حتى يصبح فوق سرير الفحص، خاصة أحمد بهاء الدين، كان يتوهم المرض دون أن يعرف أين يكون، أضع السماعة فوق قلبه لأسمع الدقات القوية تشق طريقها عبر القفص الصدري، يتطلع نحوي وهو راقد كأنما يراني لأول مرة، يضحك بصوته الخافت الخجول: ما كنتش أعرف إنك دكتورة بصحيح يا نوال!

في درج مكتبي الأسفل رقدت قصتي القصيرة «ليس لأمي مكان في الجنة»، ثلاثون عاما رقدت القصة كالجثة الهامدة، لم تكن في مصر مجلة واحدة تستطيع نشرها، عثرت عليها بالصدفة في بداية عام 1982م بعد خروجي من السجن، كنت أبحث في أوراقي القديمة لأكتب كتابي الجديد بعنوان «مذكراتي في سجن النساء»، أطلت علي قصة أمي من بين الأوراق، انتشلتها من العدم، حذفت بعض العبارات التي تمس المحظورات، جعلت البطلة امرأة فقيرة سمراء لا تشبه أمي، فيها ملامح جدتي، تحلم بالجنة، وهي تسير تحت قرص الشمس في لهيب الصيف، مات زوجها وهي في ريعان الشباب، فأخلصت له في موته كما أخلصت في حياته، لم يمسسها رجل إلا زوجها، في القبر بعد موتها كانت تحلم بلقائه في الجنة، بعد أن صعدت إلى الجنة راحت تبحث عنه لم تجده في أي مكان، رأت بابا مغلقا تتسرب من ورائه تأوهات رجل ينتشي باللذة، دفعت الباب بلا صوت، رأت زوجها عاريا في السرير مع واحدة من الحوريات، وطابور طويل من الفتيات واقفات ينتظرن دورهن، أغلقت المرأة الباب بلا صوت وعادت إلى الأرض، انتهت القصة. - إيه الفرق بين الفنان والشخص العادي يا رجاء؟ - الفنان يتجاوز حدود المناطق المحرمة ولا تهمه النتائج. - إيه هي المناطق المحرمة؟ - الثالوث إياه الدين والجنس والصراع الطبقي.

هذا الحوار يدور بيني وبين رجاء، إنه يفاجئني أحيانا بهذه العبارات المضيئة، يقف في صفي حين يشتد الصراع في الندوات.

يساندني في لحظات الانطلاق وراء الحدود المسموح بها، يميل إلى السخرية أحيانا: «تصوري نفسك يا نوال واحدة من اتنين وسبعين فتاة واقفة في الطابور على باب حمار مالوش شغلة غير تمزيق الأغشية؟!» - يبقى جهنم أحسن من الجنة يا رجاء!

رغم السخرية أشعر بالمرارة، في أعماقي بقايا إيمان بالحياة بعد الموت، أتوقف عند هذا الرقم اثنتين وسبعين، لماذا هذا الرقم بالذات؟ وكيف يتمدد خيال الرجل الجنسي إلى هذا الحد؟! اثنتين وسبعين امرأة في ليلة واحدة وخيال المرأة يتقلص إلى 72 / 1 من الرجل!

كان «رجاء» شاعرا يؤرقه كثير من الأسئلة مثلي، في خياله امرأة واحدة لا يريد إلا هي، أحيانا أسأله: مين هي يا رجاء؟ يبتسم: «مش عارف اسمها، يا ريت أعرف اسمها، كلما امتلكنا القدرة على تسمية الشيء زادت سيطرتنا عليه.»

كان يطوف المكتبات بحثا عن الكتب ، كتب قصيدة عنونها «حواء ومريم العذراء»، كانت أمه ممثلة معروفة ماتت في حادث غامض وهو طفل صغير، كانت أيام الحرب في الأربعينيات، في الإسكندرية وقت ضربها بالقنابل، في الشرفة المطلة على الميناء كان البحر ينتفض تحت النيران، أمه واقفة ظهرها ناحيته، كانت تبكي، أبوه يدفعها من الخلف، لا يرى من أبيه إلا ظهره العريض الطويل، داخل الجلباب الأبيض، يشده من ذيل جلبابه «بلاش تزء ماما يا بابا!» يستدير أبوه نحوه بوجه رجل غريب «اسكت أنا مش أبوك!»

يتوقف رجاء عند هذه الذكرى، لا يعرف بالضبط ماذا حدث، هل ألقت أمه نفسها من الشرفة؟ هل أبوه هو الذي قتلها؟ لماذا كان ينظر إليه بتلك النظرة الغريبة ويقول: أنا مش أبوك؟ قبل أن تسقط أمه من الشرفة يسألها: مين بابا يا ماما؟ حوطته بذراعيها وهي تبكي: «أبوك هو ده يا حبيبي» في أعماقه كان يحس أن هذا الرجل الغريب ليس هو أباه. - عاوز أقولك حاجة غريبة أوي يا نوال. - إيه يا رجاء؟ - وأنا طفل كنت أمشي على شط البحر أبحث عن أبي في وجوه الرجال، وفي البيت أشوف أبويا كأن له وجهين، وجه حقيقي هو أبويا ووجه تاني هو زوج أمي، كانت أمي فنانة، أنا ورثت عنها كل صفاتها، كانت أمي شريفة لكن أي فنانة في بلدنا لازم تكون غير شريفة، أبويا كان ياخد فلوسها يصرفهم على واحدة تانية في سيدي بشر، ويرجع البيت يضربها ويقول إنها مش شريفة، كرهت أبويا وفكرت إني أقتله، كان عمري تسع سنين، كراهية أبويا هي اللي أوحت إلي بقصيدة «حواء ومريم العذراء»، كانت أمي في نظري وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية زي مريم العذراء بالضبط، لم يمسسها بشر إلا روح طاهرة من عند الله، مع ذلك أبويا يقول عليها ساقطة، زي أمها حواء.

أكاد أفهم ما يعنيه رجاء ولا أفهمه، تنتابني رغبة ملحة في المعرفة، كيف تحولت حواء في التاريخ إلى مريم العذراء؟ ما علاقة اللذة الجنسية عند المرأة بالمعرفة والإثم؟ كيف هبطت نوت إلهة السماء لتصبح فوق الأرض حواء الآثمة؟

كان رجاء مثلي مسكونا برغبة المعرفة الآثمة، يريد أن يعرف كيف ماتت أمه، منتحرة أم مقتولة؟ قبل أن يرى المعركة بين أبيه وأمه كان يؤمن بالله والخير، أبوه كان هو الله والخير، ثم رأى المشهد العجيب، أبوه يضرب أمه حتى تنزف الدماء من أنفها، يدفعها من الخلف لتسقط من الشرفة، أكان حلما أم حقيقة؟ أمه ماتت وهو طفل، قالوا إنها ألقت نفسها من الشرفة، أبوه قال له: أنا مش أبوك، انقلبت السماء على الأرض منذ ذلك اليوم، أصبح للإله صورة أخرى، هي النقيض، كان يبحث مثلي عن الإلهة الأم، كيف اختفت الإلهة الأنثى من التاريخ، كيف تحولت الأم الطاهرة إلى الزانية الساقطة؟! الأسئلة الطفولية كانت تلح عليه، تحولت في شبابه إلى قصائد شعر، كان يقرؤها علينا في ندوات العيادة. - من حواء إلى مريم العذراء كان التحول. - في الأدب والشعر والدين. - كان الخيال سليما في الحضارة القديمة. - والروح داخل الجسد داخل العقل. - انفصلت الروح منذ مقتل الأم. - وانفصل خيال الرجل. - أصبح أبي يقول لنفسه: أنا والله واللذة والشرف. - وأمي تقول لنفسها: أنا الشيطان والألم والعار. - انحدرت من ربه المعرفة. - إلى العذراء بلا شهوة. - من مبدأ اللذة إلى مبدأ الألم. - سقطت جميع الأمهات. •••

ناپیژندل شوی مخ