زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

نوال سعداوي d. 1442 AH
185

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

الحزن على أمي هو أكبر حزن في حياتي، يزداد مع مرور الأيام لا يخف كالأحزان الأخرى، أدخل إلى البيت وأسير إلى غرفتها، فجأة ترتطم عيناي بسريرها الخالي، لماذا يعجز العقل عن إدراك الموت في حينه؟ أتسكن الروح المكان فترة من الوقت بعد غياب الجسد؟ لا أؤمن بانفصال الروح عن الجسد، مع ذلك أتجول في غرف البيت أبحث عنها كأنما سأجدها، أفتح باب المطبخ، ودورة المياه، والحمام، غيابها يصدمني مع أنني أعرف أنها ميتة، ملابسها معلقة في الدولاب، فستانها الحريري الأصفر ذو الحمالات، علبة البودرة، قلم الروج والمكحلة، المشط المربع من العاج، تمشط به شعرها وهي جالسة أمام المرآة، تستدير حين تراني، تميل نحوي، أمد لها ذراعي، تتحول فجأة إلى اللاشيء.

فوق الجدار صورتها داخل برواز أسود، عيناها مرفوعتان، نظرتها مستقيمة، أنفها عال، أسنانها الأمامية بارزة، جبهتها مرتفعة، خطوط وجهها واضحة محفورة لا يمسها الزمن.

كانت تحلم بالعزف على البيانو، ركوب الخيل، ركوب الطائرة واكتشاف العالم، تزوجت في الخامسة عشرة من عمرها، ماتت في الخامسة والأربعين، لم تحقق شيئا من أحلامها، كانت تصوم رمضان وتصلي أيام الامتحانات، تؤمن أن الله موجود، حين تمرض تنسى الله وتؤمن بالأطباء. •••

صوتها يناديني في ظلمة الليل: يا، يا، يا نوااال يا دكتورة مش عارفة تشوفيلي علاج، أصحو من النوم، أمشي على أطراف أصابعي حافية، لا أريد أن أوقظ أبي، كان ينام في الصالة، ترك لها السرير العريض وغرفة النوم، وجهها يطل من تحت الملاءة بلون الملاءة، أكل السرطان عظامها على مهل، الشهر وراء الشهر، السنة وراء السنة، لم تعد تستطيع تحريك ذراعيها وساقيها، أرفع جسدها لأغير الفراش المبلل. - الموت أهون يا نوال. - أنا بنتك يا ماما وجسمك هو جسمي. - لكن البول ده! لو كنت أمشي بس لدورة الميه!

أصبحت كالطفلة تبول وهي نائمة، تتأذى من بلولة فراشها، لا تطيق رائحة المرض، كانت شابة جميلة تتزين وتتعطر، ترى نفسها في المرآة أميرة، لا تخرج منها رائحة إلا معطرة، لا تعطس، إن عطست تكتم العطسة بيدها، لا تتجشأ، لا يصدر عن أمعائها صوت، جسدها لا يعرق، إن ظهرت قطرة عرق تمسحها بمنديلها الحريري، بشرتها ملساء لا ينمو عليها الشعر، إن نما تنزعه قبل أن تراه عين. - يا نوااال هاتيلي سم أشربه عشان أموت إذا كان في قلبك رحمة.

قلبي مليء بالرحمة، فهل أقتل أمي؟ هل يفيض حبي لها فأنهي حياتها؟! في الحلم وأنا نائمة أبحث عن وسيلة للقتل بلا ألم، أيمكن أن أزيد لها جرعة المورفين إلى حد الموت؟! ستموت دون أن تشعر بشيء، هل أكون إلهة الموت مثل سخمت في مصر القديمة، كانت تقبض الأرواح وتشفي المرضى، القادرة على منح الحياة والصحة هي القادرة على القتل ومنح الموت والرحمة، كانت سخمت رئيسة نقابة الأطباء القديمة، ليس في مصر اليوم نقيبة للأطباء، زميلتها «معات» كانت إلهة العدل ورئيسة القضاء منذ سبعة آلاف عام، ليس في مصر اليوم امرأة قاضية. - يا نوااال ارحميني من الألم ...

أسمع نداءها في الليل والنهار، تطلب الموت والرحمة، أصبح الموت هو الأمل، هو الحلم البعيد المنال، أيمتلئ قلب ابنتها بالحب والحنان وتحقق لها الرائحة؟

ابنتها ممزقة بين حبها لنفسها وحبها لأمها، تتردد في قتلها بجرعة زائدة من المورفين، عملية سهلة بالنسبة لطبيبة مثلها، مجرد أن تملأ الحقنة بالسائل الشفاف، تغرز الإبرة في وريد الأم وتضغط على المكبس، حركة بسيطة لا تزيد على دقيقة أو دقيقتين، لكن يدها ترتعش أصابعها مشلولة، أيحق للطبيب أو الطبيبة إنهاء الحياة إذا انعدم الأمل في الشفاء؟ ما جدوى استمرار الجسد الممزق بالألم واليأس المطلق؟ قلبها يقول لا شيء مطلق لا شيء مائة في المائة، هناك ذرة شك في كل يقين، لا يقين إلا رحمة الله أو معجزة وهذه مشكوك فيها أيضا.

وفي ليلة حين فاض بها الألم وفاض حب ابنتها لها أقدمت على إنهاء حياتها، قرار يحتاج إلى تضحية بالذات من أجل الأم، تضحية الابنة من أجل أمها لا يساويها إلا تضحية الأم من أجل أطفالها، هل كنت أرد دين الأمومة؟! وفشلت في المهمة! كان حبي لنفسي أكثر من حبي لأمي، تركتها تعيش مع الألم حتى ماتت وحدها بدوني.

حين ماتت أمي ماتت معها المدينة، أصبح الكون ميتا، ألهذا كانت الأم مقدسة أو ملعونة في الكتب السماوية؟! يوم 28 سبتمبر 1958م ماتت أمي، كتبت في مفكرتي السرية أقول: «كأنما ماتت مدينة القاهرة مع أمي، كيف تتحول المرأة إلى مدينة؟ أهي المرأة الأولى في التاريخ؟»

ناپیژندل شوی مخ