هأناذا يا حبيبتي أجلس لكتاب الشوق، وفي يدي القلم، ومعانيك مني قريبة تكاد تحس وتلمس على تباعد ما بيننا؛ لأن كل ما فيك هو في قلبي.
وهذه عينك الظاهرة دائما بمظهر استفهام عن شيء؛ لأن وراءها نفسا متعنتة تأبى أن ترضى. أو حائرة لا تكفيها معرفة، أو غامضة تريد أن لا تفسر، أو على الحقيقة؛ لأن وراءها نفسها فيها التعنت والحيرة والغموض، إذ عرفت أنها معشوقة.
هذه عينك من وراء البعد تلقي علي نظرات استفهامها فتدع كل ما حولي من الأشياء مسائل تطلب جوابها من حضورك ومرآك لا غير، وبذلك يهفو إليك القلب بأشواق لا تزال تتوافى، فلا تبرح تتجدد، فهي لا تهدأ ولا تسكن، وكأن غيابك سلب الأشياء في نفسي حالة عقلية كانت لها، كما سلبني أنا حالة قلبية.
وآه من تباريح الحب! إنها لوحوش من الأحزان ثائرة، فكل راجفة من رواجف الصدر
1
كأنها من حر الشوق ضربة مخلب على القلب.
الشوق؟ ما الشوق إلا صاعقة تنشئها كهرباء الحب في سحاب الدم يمور ويضطرب ويصدم بعضه بعضا من الغليان، فيرجف فيه حين الرعد القلبي يتردد صوته آه آه آه ...! •••
والآن يا حبيبتي ألقت عينك الساحرة علي نظرة استفهام أخرى بالصبابة ورقة الشوق، فأحسست بروحي كالغصن المخضر أثقله الزهر وقد طفقت أزهاره تتفتح وتسلم النسيم ودائع الجنة من نفحاتها وتسليماتها عليك.
وأشعر بالقلم في يدي، وكأن له شأنا مع الكلمات التي أكتبها إليك، فهو يخطها حرفا حرفا، ويقبلها كذلك حرفا حرفا! ... وكأنه الساعة ذو هيئة إنسانية (الريشة) التي فيه تمتد إلى الكلام امتداد الشفة الظمأى بالقبلات الكثيرة المخبوءة فيها!
وأشعر بالقرطاس وكأنه قد علم أن سيحمل أشواقي وأسرار قلبي، فلا يعد صحيفة ورق تموج بالألفاظ، بل صحيفة صدر ملأها جو من التنهد آه آه آه. •••
ناپیژندل شوی مخ