137

كل ما في الكون هو من الضرورات لوجود الكون؛ لأنه ممتلئ لا ينقص، وما كان ضروريا فهو مذهب واحد ليس فيه ما هو أكبر ضرورة ولا ما هو أصغر، الكبير الكبير: كالصغيرة الصغيرة، ولو أن مكانا ليس فيه نفس واحد من الهواء؛ لقتل الحي كما يقتله انتزاع كرة الجو كلها من مخارق هذا الفضاء.

1

وكل ما في الحبيب هو من ضرورات عشقه إن صح العشق، فكأنما هو يتجه أيضا مع الكون إلى اللانهاية؛ بل كأن كل حبيب في خيال محبه إنما هو الوسيلة التي استطاع الكون أن يعبر بها عن جماله لإنسان في إنسان ببلاغة تختلف مع الأذواق كما تختلف البلاغة الإنسانية، هذه يقولون في تعريفها: إنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وتلك يقول الكون نفسه في تعريفها: إنها مطابقة الشكل الجميل لمقتضى الإحساس.

يضيق هذا الكون ثم يضيق حتى كأنما يجتمع عند العاشق في المعشوق وحده، وبهذا لا تجد حبيبا إلا بلغ عند محبه ما تناهى إليه الحسن في أرضه وسمائه، حتى لهو الشمس والقمر، وكل ما جرت فيه أشعتهما من ذهب الجمال وفضته؛ وبذلك جمعت اللغات أحسن ما في الكون وأجرته في تشبيهات الحبيب، وألفت من ألفاظه لغة الحب.

فهل يكون في العقل من هذا ومن ذاك إلا أن الكون قد تناول النفس العاشقة حين ضاق ثم ضاق، فوسعها ثم وسعها حتى أفاضها من معاني الحبيب على المعاني الأزلية، وجعل عهدها بالحب أياما في لذتها، أو نكدها كأنها ليست من أيام هذه الدنيا؟

لعمري لو أمكن أن تأتي إلى الأرض رسالة من إحدى الحور العين في السماء لما أمكن أن يتلقاها إلا عاشق على شفتي حبيبته أو خدها، ولو بعثت الجحيم برسالة من زفيرها وشهيقها؛ لما وقعت إلا في صدر عاشق يتلهف من هجران حبيبته أو صدها!

أليس كذلك يا حبيبتي؟ •••

في السكون حياة أبدية فياضة لا تفتأ تعمل بالسلب والإيجاب، كان هذا الكون العظيم يتحول في كل لحظة ليخلق، فهو في كل لحظة صورة جديدة، وما كان فيه سلبا فهو الذي يجذب في مذاهبه وتصاريفه، وهو مبعث القوة المبدعة، وهو الذي يحقق أشكال الحكمة في جلالها.

وفي المعشوق حياة فياضة تخيل لمحبه أبدية وهي إلى وقت، ولا تزال كذلك تعمل في خيال محبه، بالسلب والإيجاب، وهي السر في بقاء الحبيب طريفا جديدا ما بقي حبه، كأنما يتحول في كل يوم ليخلق، فهو في كل يوم صورة غير صورة أمس، وهو دائما معشوق الساعة، وقد خلدت عليه النظرة الأولى، وكل ما تكرر منه من ضحكة أو كلمة أو نظرة أو ما إليها جاء لوقته كأن فيه حياة.

وكأنه مولود لا مصنوع، ولدته رغبتك ولم يصنعه هو، فأنت تتلقاه كما يتلقى الأب أو الأم أولاده وقطع كبده؛ لا يزال عليهم كل يوم طابع قلبه.

ناپیژندل شوی مخ