فتشبث قدري بموقفه وهو يقول: كلا، هذا أفظع!
ودفعه أدهم أمامه بحزم فاضطر إلى التحرك حتى بلغ الحجرة الخارجية. وانقض أدهم على أميمة بسرعة فكتم براحته الصرخة التي أوشكت على الإفلات من فيها، وقال بقسوة: لا تصرخي يا ولية، لا ينبغي أن نلفت الأسماع إلينا حتى نتدبر الأمر، فلنقاس المقدور صامتين، ولنتحمل الألم صابرين، الشر من بطنك ومن صلبي خرج، واللعنة حقت علينا جميعا.
وسد فاها بقوة. وحاولت التخلص من يده عبثا. أرادت أن تعضها فلم تتمكن. اضطربت أنفاسها وخارت قواها فسقطت مغشيا عليها. ولبث قدري واقفا يحمل الجثة في صمت وخزي مركزا بصره على المصباح ليتجنب النظر إليها. واتجه أدهم نحوه، فساعده على وضع الجثة على الفراش، ثم سجاها برفق. ونظر قدري إلى جثة أخيه المسجاة على الفراش الذي اقتسماه طوال العمر، فشعر بأنه لم يعد له مكان في الدار. وحركت أميمة رأسها، ثم فتحت عينيها فبادر أدهم إليها وهو يقول بحزم: إياك أن تصرخي.
وأرادت أن تنهض فساعدها على النهوض وهو يحذرها من إحداث صوت. وهمت بالارتماء على الفراش فحال الرجل دون ذلك، فوقفت مغلوبة على أمرها واندفعت تنفس عن كربها بشد شعرها بقسوة فانتزعت منه خصلات بعد خصلات. ولم يبال الرجل بما تفعل، وقال بغلظة: افعلي ما يريحك ولكن في صمت.
فقالت بصوت مبحوح: ابني .. ابني!
فقال أدهم في ذهول: هذه جثته، لم يعد ابنك ولا ابني، وهذا هو قاتله، اقتليه إن شئت.
ولطمت أميمة خديها وقالت لقدري بوحشية: إن أحط الوحوش تتبرأ من فعلتك!
فحنى قدري رأسه في صمت، على حين قال أدهم بوحشية: هل تذهب هذه الروح هدرا؟ لا ينبغي أن تحيا، هذه هي العدالة.
فهتفت أميمة: كان أمس أملا مشرقا، قلنا له اذهب فأبى، ليته ذهب، لو لم يكن كريما نبيلا رحيما لذهب، أيكون جزاء هذا القتل؟! كيف هان عليك يا صخري القلب! لست ابني ولست أمك!
لم ينبس قدري، لكنه قال لنفسه: «قتلته مرة وهو يقتلني مرة كل ثانية، لست حيا ، من قال إني حي؟!» وسأله أدهم بفظاظة: ماذا أفعل بك؟
ناپیژندل شوی مخ