اولاد حارتنا

نجيب محفوظ d. 1427 AH
190

اولاد حارتنا

أولاد حارتنا

ژانرونه

وإذا بصوت امرأة يرتفع مغطيا على صوت الشاعر وهي تصرخ: «ولد تائه يا أولاد الحلال»!

60

مضى الوقت والإخوان في سمر وياسمينة في عذاب. أراد حسين أن يلقي على الحارة نظرة، ولكن كريم اعترضه لئلا يلمحه أحد فيشك في الأمر. وتساءل زكي: ترى هل هاجموا بيت رفاعة؟ فقال رفاعة: إنهم لا يسمعون إلا نواح الرباب وتهليل الغلمان. كانت الحارة تحيا حياتها فليس ثمة ما يشي بجريمة تدبر. ودارت بياسمينة دوامة الفكر حتى خافت أن تفضحها عيناها. وتمنت أن ينتهي عذابها على أي وجه وبأي ثمن، وتمنت أن تملأ جوفها بالخمر حتى تذهل عما حولها. وقالت لنفسها إنها ليست أول امرأة في حياة بيومي ولن تكون أخراهن، وإنه حول أكوام الزبالة تكثر الكلاب الضالة، ولكن فلينته هذا العذاب بأي ثمن.

وبتقدم الوقت أخذ الصمت يبتلع الضوضاء رويدا رويدا، فسكتت أصوات الأطفال ونداءات الباعة، ولم يبق إلا نواح الرباب. ودهمتها كراهية مفاجئة لهؤلاء الرجال، لا لشيء إلا لأنهم على نحو ما يعذبونها. وتساءل كريم: هل أعد المجمرة؟

فقال رفاعة بحزم: نحن في حاجة إلى وعينا!

ظننت أننا به نستعين على تحمل الوقت. - أنت خائف أكثر مما ينبغي.

فنفى التهمة عن نفسه قائلا: يبدو أن لا داعي هناك للخوف!

أجل لم يقع حادث ولم يهاجم بيت رفاعة. وسكتت الأنغام وذهب الشعراء. وترامت أصوات الأبواب وهي تغلق، وأحاديث العائدين إلى البيوت، وضحكات وسعلات، ثم ساد الصمت. واستمر الانتظار والترقب حتى صاح أول ديك. وقام زكي إلى النافذة ينظر إلى الطريق ثم التفت إليهم قائلا: صمت وخلاء، الحارة كما كانت يوم طرد إليها إدريس.

فقال كريم: آن لنا أن نذهب.

وركب الجزع ياسمينة فتساءلت في نفسها: ماذا يكون من أمرها لو تأخر بيومي عن موعده أو لو عدل عنه؟ وقام الرجال وكل يحمل بقجته. وقال حسين: الوداع يا حارتنا الجهنمية!

ناپیژندل شوی مخ