اوهام عقل
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
ژانرونه
78 «كانت أثينا - تمجد اسمها - ذات يوم هي أول من منح الجنس البشري البائس حصادا مثمرا، وأعاد خلق حياتهم، وصنع لهم قوانين.»
وهنا لا ننس أن سليمان رغم سطوته وذهبه وأعماله العظيمة وبلاطه وخدمه وأسطوله وبهاء اسمه وإعجاب البشر غير المحدود به؛ لم يكن يعد مجده في أي شيء من ذلك، بل كان يعلن أن «مجد الله أن يخفي شيئا ما، ولكن مجد الملك أن يكتشفه.»
وفضلا عن ذلك، فليتأمل أي شخص في الفارق الهائل بين حياة الناس في أرقى البلاد الأوروبية وحياتهم في أي منطقة همجية وبربرية من مناطق الهند الجديدة، ولسوف يجد أن الفارق قد بلغ من الضخامة بحيث يصح أن يقال إن «الإنسان إله للإنسان»،
79
ليس فقط باعتبار العون والمنافع المتبادلة، بل من مقارنة الوضعين، وهذا الفارق لا يأتي بفضل التربية أو المناخ أو العرق، بل بفضل «الفنون».
كذلك ينبغي أن نلاحظ قوة المخترعات وتأثيرها ونتائجها، والتي تظهر في أوضح صورة في تلك المخترعات الثلاثة التي لم يعرفها القدماء: الطباعة والبارود والبوصلة؛ فقد غيرت هذه المكتشفات الثلاثة وجه وحالة العالم بأسره؛ الأول في الأدب، والثاني في فن الحرب، والثالث في الملاحة، ثم ترتب عليها تغيرات لا تحصى، بحيث يمكن القول بأنه لم يكن لأي إمبراطورية أو مذهب أو نجم أي قوة أو تأثير في الشئون البشرية يفوق ما كان لهذه الكشوف الميكانيكية.
كذلك يصح أن نميز بين ثلاثة أنواع ودرجات من الطموح البشري: الأول طموح أولئك الذين يريدون بسط سطوتهم على بلدهم الأصلي، وهو نوع سوقي ومنحط من الطموح؛ والثاني طموح أولئك الذين يسعون إلى بسط سلطان بلادهم على البشر، وهذا طموح أسمى من سابقه بالتأكيد، وإن لم يكن أقل جشعا، ولكن إذا سعى إنسان إلى تأسيس وبسط سطوة الجنس البشري نفسه وسلطانه على العالم، فإن طموحه - إن جازت هذه التسمية - أسلم وأنبل من سابقيه. إن سلطان الإنسان على الأشياء ليعتمد كليا على الفنون والعلوم؛ إذ إننا لا يمكن أن نحكم الطبيعة إلا بإطاعتها.
كذلك «إذا كانت فائدة أي اختراع معين قد حرك الناس إلى أن تعتبر أي شخص أمكنه أن يسبغ مثل هذا النفع على الجنس البشري كله؛ تعتبره أكثر من إنسان، فأي تمجيد سوف يحظى به ذلك الكشف الذي يؤدي إلى تسهيل اكتشاف كل شيء آخر؟!» ومع ذلك (لكي نقول الحقيقة) فمثلما أن فوائد الضوء لا نهاية لها في تمكيننا من السير في طريقنا ومن ممارسة الفنون ومن القراءة ومن تمييز أحدنا الآخر، على أن إبصار الضوء نفسه أروع وأجمل من شتى استخدامات الضوء؛ كذلك «فإن تأمل الأشياء كما هي دون خرافة أو خداع أو خطأ أو اضطراب؛ هو بذاته أقيم من كل ثمرات الكشوف».
وأخيرا، فإذا طرح اعتراض بأن العلوم والفنون قد انحرفت إلى جهة الشر والترف وما إلى ذلك، فلا ينزعجن أحد من هذا الاعتراض؛ فالشيء نفسه يمكن أن يقال في كل خير أرضي: الذكاء، الشجاعة، القوة، الجمال، الثروة، والضوء نفسه، وكل شيء آخر، فقط دع الإنسان يستعيد حقه على الطبيعة - ذلك الحق الذي خصه الله به وكفله له - ودعه يتملك هذه القوة التي سيكون استخدامها محكوما بالعقل السليم والدين الصحيح.
من الكتاب الثاني (1) مهمة «القوة» البشرية وهدفها هو أن تولد وتحدث في جسم معطى طبيعة جديدة أو طبائع جديدة. أما مهمة «المعرفة» البشرية وهدفها فهو أن تكتشف في طبيعة معطاة «صورتها» أو تميزها الحقيقي أو طبيعتها المسببة لها أو المصدر الذي انبعثت منه إلى الوجود (فهذه هي أقرب الكلمات التي بحوزتي لوصف هذا الشيء الذي أتحدث عنه). ويندرج تحت هاتين المهمتين الأوليتين مهمتان ثانويتان وأقل أهمية: تحت الأولى تندرج مهمة تحويل الأجسام العينية من شيء إلى آخر، ما أمكن ذلك. ويندرج تحت الثانية مهمة اكتشاف - في كل تكوين وحركة - العملية الكامنة والمستمرة المؤدية من العلة الفاعلة الملحوظة والعلة المادية الملحوظة إلى الصورة المسبغة، وبالمثل اكتشاف البنية الكامنة في الأجسام التي في حالة السكون وليست في حالة حركة. (2) إن الحالة المؤسفة للعلم البشري اليوم واضحة حتى من خلال الأقوال الشائعة عنه. لقد صدق من قال: إن المعرفة الحقة هي معرفة العلل. ولا بأس أيضا من تقسيم هذه العلل إلى أربعة أنواع: المادية والصورية والفاعلة والغائية؛ غير أن النوع الأخير من هذه العلل - أي العلل الغائية - هو أبعد ما يكون عن الفائدة، والحق أنه يفسد العلوم إلا ما كان منها يتناول الأفعال البشرية. لقد انقطع أمل الناس في اكتشاف العلل الصورية؛ ولكن العلل الفاعلة والمادية (بالطريقة التي تبحث بها والآراء السائدة عنها؛ أي بمعزل عن العمليات الكامنة
ناپیژندل شوی مخ