اوهام عقل
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
ژانرونه
50
وتقسيماتهم، لبدا لك أنها قد تضمنت كل ما يتصل بالموضوع واشتملت عليه. ورغم أن هذه التقسيمات أسيء ملؤها، وأنها أشبه بالقرب الفارغة، فإنها تتخذ في نظر الذهن السوقي شكل العلم الكامل ومظهره. أما الباحثون الأوائل والأقدم عن الحقيقة، فقد كانوا أكثر أمانة وسدادا بحيث صاغوا المعرفة التي أرادوا استخلاصها من تأمل الأشياء، وعمدوا إلى حفظها للاستعمال في شكل شذرات
aphorisms
أو عبارات قصيرة ومتناثرة غير موصولة معا بمنهج اصطناعي، دون تظاهر أو ادعاء باشتمالها على أي علم كامل. ولكن وفقا لما صارت إليه الحال الآن فلا عجب إذا كانت الناس لا تبحث عما يتخطى ما قدم إليهم على أنه كامل مكمل. (87) اكتسبت النظريات القديمة أيضا دفعة قوية لسمعتها وصيتها من غرور وخفة دعاة الجديد، وبخاصة في الجانب العملي والتطبيقي من الفلسفة الطبيعية؛ فلقد ظهر الكثير من المتحدثين السطحيين والحالمين، تدفعهم السذاجة من جانب والادعاء من جانب آخر، فأمطروا الخلق بالوعود معلنين ومتبجحين بإطالة العمر وتأخير الشيخوخة وإزالة الآلام وعلاج العيوب الخلقية وخداع الحواس، وفن كبح الانفعالات وإطلاقها، وتنوير وإعلاء الملكات الذهنية، وتحويل المواد، وتقوية الحركة ومضاعفتها بلا حدود، والطبع في الهواء والتغيير فيه، والتحكم في التأثيرات الفلكية واستشفاف المستقبل وتمثيل الأشياء البعيدة وكشف الأشياء الخفية وما إلى ذلك. إن المرء لا يجانبه الصواب إذا لاحظ - فيما يتصل بهؤلاء الأدعياء - أن هناك فرقا في الفلسفة بين وعودهم الفارغة وبين العلم الحقيقي يضاهي الفرق في التاريخ بين مآثر قيصر
51
والإسكندر ومآثر أماديس ديجول وآرثر أوف بريتين:
52
فنجد أن هذين القائدين العسكريين (قيصر والإسكندر) قد اجترحا بالفعل أشياء أعظم مما يحلم بتحقيقه هذان البطلان الخياليان (أماديس وآرثر). ومن طريق الفعل الحقيقي لا الفعل الخيالي الغرائبي، ولكن ليس معنى ذلك أن نفقد الثقة بالتاريخ الحقيقي؛ لأنه شوه أحيانا وانتهكته الخرافات، وفي الوقت نفسه فلا عجب إن كان الأدعياء الذين حاولوا مثل هذه الأشياء قد أوغروا الصدور ضد الاجتهادات الجديدة (وبخاصة إذا اقترنت بذكر النتائج العملية المنتظرة)؛ إذ إن غرورهم المفرط والنفور الذي خلفه - حتى في يومنا هذا - قد دمرا كل اعتقاد في مشاريع من هذا النوع. (88) وأذى أكبر من ذلك بكثير لحق بالعلوم من جراء وهن العزيمة وضآلة المشروعات التي اضطلعت بها الصناعة الإنسانية، والأسوأ من كل ذلك أن يأتي هذا الوهن الروحي مصحوبا بلون معين من الغطرسة والاستعلاء.
هناك أولا مبرر أصبح شائعا في كل فن من الفنون، «وهو أن يحول أصحاب هذا الفن ضعف فنهم نفسه إلى افتراء على الطبيعة، فكلما فشل فنهم في تحقيق شيء ما أعلنوا أن هذا الشيء غير ممكن في الطبيعة، ومن المؤكد أنه لا يمكن أن يدان الفن إذا كان الفن هو قاضي نفسه!» وحتى الفلسفة الرائجة اليوم تطوي جوانحها على مواقف واعتقادات معينة الغرض منها (إذا تأملتها جيدا) إقناع الناس بأن ليس هناك شيء من الأشياء الصعبة أو التي تنطوي على تسخير الطبيعة وإخضاعها يمكن أن نتوقعه من الفن أو الجهد البشري، وقد سبق أن ضربنا مثلا الفرق الكيفي المزعوم بين حرارة الشمس وحرارة النار، وبين المركب
composition
ناپیژندل شوی مخ