231

مصر التي أعجبت في القديم والحديث، وراقت ماضية وحاضرة، ألم تر كيف رسا هرمها على الزمن، وثبتت قواعدها على الفتن، وبقيت كما كانت مدهشة السر والعلن؟ هرمها طاول الدهر فطاله، وصارعه الزمن فما أماله، صرح رهبته القرون، وعي ببانيه ريب المنون، فالقبور التي هي سطور الفناء، تقرأ فيها آيات الخلود والبقاء. ترى فيها الحياة جامدة، وتحس فيها اليقظة هاجدة، وتتبين منها شعلة النبوغ وهي هامدة، كتمتها الأرض حينا ثم لم تستطع صبرا، وضاقت بسرها العظيم صدرا، وابتلعها الزمان فلم يستطع لها هضما، فلفظها رائعة كما كانت قدما، فيا لك من موت أدل على الحياة، وفناء أشبه بالبقاء، وهمود أقرب إلى الخلود!

مصر التي جرى نيلها بياضا في ظلمات الأيام، وسطرا تترنم به الأعوام، مرآة للتاريخ لها من جنات مصر إطار، وسيف للحق قلب الظلم منه مستطار، كم أنبتت بشاطئيه أمما زاهرة، ومدنا عامرة، وجنات ناضرة! فقابل السماء بأبهى من نجومها، وأنفذ من رجومها، رأت الشمس وجهها فيه فتاة وشمطاء، وشبت النجوم ترى صورتها في الماء، وظهرت المجرة صورة له في السماء. سقى القرون الخوالي ولم ينضب، وكتب عبر الأيام بمداده فلم ينفد، تدفق كالقدر من الأزل إلى الأبد فياضا هدارا، معطاء مكثارا.

هو يا ابن مصر حياتك وعزك ، وقد كتب به مجدك وفخرك.

يا بني مصر الحديثة، لا تكن آثاركم على عبري النيل أردأ خطا ولا أقبح سطرا، فإنما تلكم الحقب الموروثات، والآثار الخالدات، وديعة الأمم الخالية، وميراث القرون الآتية؛ فتقدموا للعمل بقلوب ملؤها الإيمان والأمل، ورءوس ملؤها الحكمة والروية، وأيد ملؤها النشاط والقوة، واحذروا غضب الله، ولعنة الخلف، وحكم التاريخ.

بين التصوف والغزل

زهرات ذابلات

أحاذر في نجواي بث شكاتي

فأكتم ما في القلب من حسرات

ويغلبني وجدي فألقاك شاكيا

ولا بد للمصدور من نفثات

ناپیژندل شوی مخ