فما بال المسلمين تتنازعهم الأهواء فيتذبذبون، وتتجاذبهم الشهوات فيتهافتون؟
علمت المسلم أن يكون مالكا قنوعا، مسيطرا مقتصدا، قادرا عفيفا يملك الدنيا ولا تملكه، ويستعبدها ولا تستعبده، ويقدر عليها ولا يهلك فيها.
فما بال هؤلاء المستكلبين تملكهم الأموال، فهم عبيدها، وتفتنهم المناصب، فهم صرعاها؟ قد ملك نفوسهم من الحرص والطمع، والنهم والجشع ما لا تملؤه السماوات والأرض، فذلوا من حيث أرادوا العز، وافتقروا من حيث حاولوا الغنى، وشقوا من حيث توهموا السعادة!
يا رسول الله، علمت المسلم أن يكون عزيزا لا يذل، وأبيا لا يخنع، وموحدا لا يشرك، يعبد الله وحده لا شريك له، والناس من بعد سواسية، ليس بعضهم أرباب بعض، فما بال هؤلاء الأذلاء الخانعين الذين يؤلهون كل قوي، ويخضعون لكل جبار؟
علمت المسلم أن يكون مجاهدا لا يكل، دائبا لا يمل، يمضي في الحياة قدما كالنجم لا يقف دون الغاية، لا تصده مشقة ولا يرده هول، ولا يقعد بهمته عبء، ولا يوهن عزيمته يأس، طماحا هماما غلابا مقداما.
فما بال المسلم يقعد ويحسب أنه يعبد، ويكل ويظن أنه متوكل، وييأس ويتوهم أنه يقنع؟ حرفوا كلماتك، وجهلوا آياتك.
يا رسول الله، علمت المسلم أن يكون على الخطوب جسورا، وفي النوائب صبورا، كأنه في معترك الحياة قدر لا يرتد، وقانون طبيعي لا يتخلف، على شفتيه بسمة الرجاء في ظلام المحن، وفي وجهه طمأنينة الثقة في عواصف الفتن، وفي قلبه الثقة بالله واليقين بالظفر، تنكشف عنه الأحداث كما يقشع السحاب عن النجم، وتنجلي الغمرة عن الدرة، وينحسر الغمد عن السيف، فما بال المسلم اليوم جزوعا يائسا، وخائرا مبلسا؟
يا رسول الله، وقفت في حضرتك ساعة فلا معنى من العلاء والعظمة والحرية والحق والخير والبر والفضيلة إلا نزل على قلبي، ولا شية من الإسفاف والباطل والشر والرذيلة إلا طارت عن نفسي! وستبقى سيرتك نبراسا يعشو إليه الخابط في الظلمات، وهديك منارا يهتدي به الضال في الفلوات، وشرعك علما ينحاز إليه الأخيار، ودعوتك أذانا يصغي إليه الأبرار، ورسالتك رحمة للناس أجمعين.
إن انحرف الناس فما اعوجت سنتك، وإن ضلوا فما طمست شريعتك، وإن حاروا فما خفيت سيرتك، وسيردهم إلى الطريق هديك، وتهديهم إلى الغاية سيرتك، وترشدهم على الأجيال دعوتك.
ولن يزال مولدك هدى للناس وذكرى، وموعظة وعبرة، ودعوة لا تحول، ونورا لا يزول.
ناپیژندل شوی مخ