ثم يستولي على تبريز، ويجعلها عاصمة ملكه، ويغير على الكرج، فيزيد في أعدائه، كأن أعداءه ليسوا أكفاء نضاله. وبينما هو في تفليس جاءه نبأ هائل، وناهيك بخيانة الأعوان في حومة الطعان: أنبئ أن براقا الحاجب والي كرمان قد مالأ المغول. فيبادر من تفليس إلى كرمان ليأخذه بخيانته، ثم يرتد من كرمان إلى الشمال ليحارب التركمان والملاحدة، فيهزمهم ويجزيهم بما اقترفوا في غيبته، ويشرق تلقاء دامغان، ليهزم جيشا من المغول، ويرجع إلى الغرب حين يعلم أن الكرج تألبوا عليه، فيلتقي الجمعان، وتأبى على جلال الدين شجاعته ومضاؤه إلا أن يبارز أبطال الكرج، وقد قتل أربعة من صناديدهم ولاء، ثم حمل على الكرج فهزمهم أجمعين.
4
هذه سنة سبع وعشرين وستمائة وجلال الدين يعمل ليؤلف بين أمراء المسلمين، ويضرب بهم هذا العدو المدمر، فلا يمهله عدوه فيباغته ثلاثون ألفا من المغول، فينهزم أمامهم، ولكن ليستولي على مدينة كنجة.
عشر سنين نازل فيها جلال الدين منكبرتي أحداث الزمان مجتمعة، وغلب فيها جهد الأعداء، وخيانة الأصدقاء، وجالد عدو المسلمين، وخليفة المسلمين، وحارب المغول والتركمان والملاحدة والكرج.
أرأيت جلال الدين نجما يدور به فلك من الخطوب بين المشرق والمغرب؟ أعلمت أن الرجل العظيم يخلق أحداث التاريخ ولا ينقاد لها؟ إن يكن ما يروى عن جلال الدين مستحيلا، فكم بين حقائق التاريخ من مستحيل!
غياث الدين أخو جلال الدين يمالئ الأعداء أيضا! فانظر إلى البطل العظيم عام ثمان وعشرين وستمائة وقد اجتمع عليه الأعداء، وخانه الإخوة والأصدقاء، وناء بقلبه خذلان أعوانه لا بطش أقرانه. ها هو ذا مكتئبا حزينا مشردا يسير في قرى الكرد، ولعله يحاول أن يخلق من عزمه جندا وحربا وانتصارا وملكا، ولكن رجلا من الكرد باغته ففتك به.
أتته المنايا في طريق خفية
على كل سمع حوله وعيان
ولو سلكت طرق السلاح لردها
بطول يمين واتساع جنان
ناپیژندل شوی مخ