168

أروع شيء في الورى دموع

في مقلة الحزينة الحسناء

مصر والبلاد العربية1

بين مصر والبلاد العربية كل ما يؤلف بين الأقوام من وشائج القربى والتاريخ، وكل ما يحكم القرابة من عقائد وعواطف، وآلام وآمال، وكل ما يؤكد الأخوة من حقائق ومنافع. والكلام في هذا تبيين ما لا يعوزه البيان.

يذهب المصري إلى أحد الأقطار العربية فكأنما برح بقعة في مصر إلى أخرى، يرى وجوها يعرفها ولا تنكره، ويسمع من أحاديث الماضي والحاضر ما يسمعه في بلاده، ويحدث عن الهموم والمطامح التي تنطوي عليها نفسه ويخفق بها قلبه. حيثما توجه وجد أهلا بأهل، وإخوانا بإخوان، وأبصر من ذكر التاريخ، ومشاهد الحاضر، وخطط المستقبل ما يوحي إليه أنه في وطنه وبين قومه، وكأنه لا يذهب إلى هذه البلاد إلا ليرى بعينيه ما حدثه به التاريخ، وأحكمته في نفسه النشأة والتعليم.

ذهبت مرات إلى فلسطين والشام والعراق، فكان يخيل إلي أينما سرت أني لا أخطو إلا على صفحات من التاريخ المجيد، ولا أرفع بصري إلا على عنوان من عناوينه، في صورة مسجد أو مدرسة، أو قبة حنت على عظيم من أسلافنا أبطال الإسلام والعربية، وطوفت في العراق مدنه وقراه، وحضره وباديته، فكانت بغداد عندي القاهرة، بل أجل ذكرا، وكانت الكوفة والبصرة والموصل أعظم أثرا في نفسي من طنطا والمنصورة وأسيوط، وكانت مضارب شمر وبني تميم أذهب بي في التاريخ من مضارب القبائل المصرية، وأما دمشق الجميلة الجليلة، فما دخلتها إلا ازدحمت علي أحداث التاريخ، ودفعتني مواكبه، فسارعت إلى الجامع الأموي أنشد قول شوقي:

هذا الأديم كتاب لا كفاء له

رث الصحائف باق منه عنوان

ولست بدعا في هذا، فما أحسب مصريا ذهب إلى هذه البلاد إلا شعر بما أشعر به. •••

وليس الأمر بيننا تشابك أرحام واتصال أوطان فحسب، ولكنه الحب المؤكد والود الصريح ينطق على ألسنة القوم، ويتجلى في أساريرهم، ويبين في أعمالهم، ويشهد به اهتمام القوم بكل صغيرة وكبيرة في مصر، وتحدثهم عن علمائها وأدبائها وأحزابها وقادتها حديث المحب العارف الخبير، وحرصهم على قراءة ما تخرجه مصر من كتب ومجلات وجرائد. وكثيرا ما ترى في الشام والعراق من يعلم عن مصر أكثر من أبنائها، وإذا تحدث هؤلاء الإخوة الكرام عن مصر أشادوا بذكرها، وأكبروا حضارتها، وأعظموا مآثرها على العربية والإسلام، معترفين مغتبطين، لا جاحدين ولا كارهين، وعدوا مجدها مجدهم، وعزها عزهم، وفخروا بها كما يفخرون ببلادهم. •••

ناپیژندل شوی مخ