لي حبيب كلما عانقته
نثر الورد علينا الورقا
ثم قال عبد العزيز باشا: «مثل هذه الأبيات وغيرها، كان يرويها لي صديقي لطفي أثناء المطارحة ونحن شباب والحياة باسمة خضراء. ولا شك عندي أن صداقتي لهذا الأخ الأديب الأريب الواسع الاطلاع مما شجعني على دراساتي العلمية والأدبية.»
ولقد انتزع الأدب والقلم لطفي السيد من منصب القضاء وصناعة المحاماة، وتولى تحرير صحيفة «الجريدة» عدة سنوات، وكان في تحريره لتلك الصحيفة صاحب مبادئ ديمقراطية وصاحب دعوة اشتراكية، وكان من أول الداعين إلى الحرية والاستقلال، ومناهضة الطغيان والاستبداد، وقد أنشأ في الجريدة فصلا للدراسات العالية الحرة كان من تلامذته الدكتور طه حسين، والدكتور محمد حسين هيكل، والدكتور منصور فهمي، والآنسة مي، وغيرهم من أعلام المدرسة الحديثة، ثم نمت هذه المدرسة واتسعت، فأصبحت فكرة لجامعة كبرى تحققت فيما بعد، فصارت جامعة أهلية، ثم جامعة حكومية، ثم جامعات! •••
كان يصطاف في لبنان وجلس يتعشى في فندق «يسو» ببيروت، فلاحظ بالقرب منه فتاة لطيفة تجلس إلى مائدة مجاورة، وهي تتحدث بالفرنسية حديثا فصيحا مع قنصل فرنسا في مصر، وكانت تدافع عن المرأة الشرقية دفاعا حارا قويا، فسأل لطفي السيد صديقه خليل سركيس: «من تكون هذه الفتاة المتحمسة للمرأة الشرقية؟» فأجابه: «إنها ماري زيادة ابنة الصحفي المعروف إلياس زيادة، صاحب جريدة «المحروسة».» وكانت هذه «المحروسة» تصدر في مصر في ذلك الحين. وبعد أن انتهت «مي» من حديثها مع القنصل قدمها سركيس إليه.
كان ذلك سنة 1911، ولما رجع لطفي السيد من مصيفه، ورجعت الآنسة «مي» أهدت إليه كتابها «ابتسامات ودموع»، وهو رواية حب ترجمتها إلى العربية عن اللغة الألمانية عنوانها «غرام ألماني». وكانت قد أصدرت باللغة الفرنسية كتابين قبلها، وكانت الفرنسية تغلب عليها، وتؤثر في أسلوبها العربي، وقد أخذت في ذلك الحين تنشر في جريدة والدها «المحروسة» مقالات بعنوان «يوميات فتاة».
لاحظ لطفي السيد في هذه المقالات أن كاتبتها في حاجة إلى العناية باللغة العربية؛ فنصح لها بقراءة الأدب العربي، وبعثه إعجابه بذكاء هذه الفتاة ونظراتها الصادقة وآرائها الناضجة إلى الاهتمام بتهذيبها وتقويم أسلوبها، فكان يقرأ كل يوم مقالها في اليوميات، ويصحح مآخذه بالقلم الأخضر، ويمضي هذا التصحيح بإمضاء «لطفي» ويرسله إليها. •••
وذات يوم كان جالسا يتحدث معها، فقال لها: «لا بد لك يا آنسة من تلاوة القرآن الكريم، لكي تستفيدي من بلاغة معانيه وفصاحة أسلوبه.»
فقالت له: «ليس عندي نسخة من القرآن».
فقال لها: «أنا أهدي إليك نسخة منه!»
ناپیژندل شوی مخ