87

اتیاف من حیات می

أطياف من حياة مي

ژانرونه

أقول : إنني سأشفى، أقول إنني سأنشد أغنيتي؛ فأستريح، أقول إنني سأصرخ من أعماق سكينتي صوتا عاليا.

بالله عليك لا تقولي لي: أنشدت كثيرا، وما أنشد قد كان حسنا، لا تذكري أعمالي الماضية؛ لأن ذكرها يؤلمني؛ لأن تفاهتها تحول دمي إلى نار محرقة؛ لأن الكليات المجردة مني إليها في صحتي، فإذا أنا أسندت رأسي إلى هذه المساند، وأغمضت في هذا المحيط، وجدتني سابحا كالطير فوق أودية وغابات هادئة متشحة بنقاب لطيف، ووجدتني قريبا ممن أحبهم، أناجيهم وأحدثهم، ولكن بدون غضب، وأشعر شعورهم، وأفكر أفكارهم، يلومونني ولا يسخطون علي، بل يلقون أصابعهم على جبهتي بين الآونة والأخرى، ويباركونني!

حبذا لو كنت مريضا في مصر، حبذا لو كنت مريضا بدون نظام في بلادي، قريبا من الذين أحبهم، أتعلمين يا «مي» أني في كل صباح ومساء أرى ذاتي في منزل في ضواحي القاهرة، وأراك جالسة أمامي تقرئين آخر مقالة كتبتها، أو آخر مقالة من مقالاتك لم تنشر بعد!»

شوقه لتأليف كتاب «النبي»

ثم يحدثها في هذه الرسالة عن شوقه إلى تلك «الكلمة» التي يريد أن يقولها قبل أن ينصرف عن هذا العالم، وهي ما قالها بعد في كتابه «النبي» وضمنها الكثير من فلسفته وخواطره في الحياة والحب والدين والناس، فيقول: «أما تعلمين يا مي أني ما فكرت في الانصراف الذي يسميه الناس موتا إلا وجدت في التفكير لذة غريبة، وشعرت بشوق هائل إلى الرحيل، ولكني أعود، فأذكر أن «كلمة» لا بد من قولها، فأحار بين عجزي واضطراري، وتغلق أمامي الأبواب!

لا، لم أقل كلمتي بعد، ولم يظهر من هذه الشعلة غير الدخان، وهذا ما يجعل الوقوف عن العمل مرا كالعلقم!

أقول لك يا مي - ولا أقول لسواك - إني إذا ما انصرفت قبل تهجئة كلمتي ولفظها فإني سأعود لأقول الكلمة التي تتمايل الآن كالضباب في سكينة روحي.

أتستغربين هذا الكلام؟ إن أغرب الأشياء أقربها إلى الحقائق الثابتة، وفي الإرادة البشرية قوة اشتياق تحول السديم فينا إلى شموس!»

سر الوجود في الأطفال

وقد كان جبران يحب الأطفال ، وقد اصطفى طفلة من أقاربه يغدق عليها الكثير من عطفه وحنانه، وكانت الطفلة تحبه وتكثر من زيارتها له في مرضه، فأخذ يتحدث عنها في هذه الرسالة أيضا، ويقول للآنسة «مي»: «أنت بالطبع تريدين أن تسمعي شيئا من أخبار صغيرتي الحلوة، فإليك بعضها:

ناپیژندل شوی مخ