وقد حركت رحلة العقاد إلى لبنان في نفسها لاعجا غير لواعج الشوق والحب نحوه، لاعجا كل ينتابها، وتسائل نفسها من أجله قائلة: «أين وطني؟» فإن أمها من فلسطين، وأباها من لبنان، وهي تعيش في مصر، وقد اتخذتها لنفسها وطنا، فكتبت إليه رسالة طويلة ضمنتها مقتطفات من مقالة نشرتها بعد عودته بعنوان «أين وطني؟» جاء فيها: «عندما ذاعت أسماء الوطنيات، كتبت اسم وطني، ووضعت عليه شفتي أقبله، وأحصيت آلامه مفاخرة كأن لي كذوي الأوطان وطنا. ثم جاء دور الشرح والتفصيل، فألممت بالمشاكل التي لا تحل، وحنيت جبهتي، وأنشأت أفكر. وما لبث أن انقلب التفكر في شعورا، فشعرت بانسحاق عميق يذلني لأني دون سواي، تلك التي لا وطن لها!
ولدت في بلد، وأبي من بلد، وأمي من بلد، وسكني في بلد، وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد، فلأي هذه البلدان أنتمي؟ وعن أي هذه البلدان أدافع؟ يمضي الموتى تاركين للأحدث وراثات حسية ومعنوية ينعمون بها، وشرفا قوميا يعززونه، وتقاليد يحافظون عليها. أما أنا، فلم يبق لي من آثار موتاي سوى الأثقال المعلقة في يدي وعنقي!
فلماذا قدر علي أن أكون ابنة وطن تنقصه شروط الوطنية، فأمسي تلك التي لا وطن لها؟!
ما سمعت وصف بلاد إلى سعى إليها اشتياقي.
ولا حدثت عن بسالة أمة وسؤددها إلا تمنيتها أمتي.
ولا تخيلت مسافات الأرض، وأبعاد الفلك والصحاري والبحار والكواكب والعوالم الأخرى إلا اهتاجني الحنين إليها كأنها أوطان يردد هواؤها ترنيمة طفولتي، وتنتظرني فيها قلوب الأحباب والخلان.
أما وقوى إعزازي توزع باستهتار وجنون، فلماذا تتجمع قوى اكتئابي عميقة مرهفة، لأني أنا وحدي - وحدي في الدنيا - تلك التي لا وطن لها؟»
أنت هي الدنيا
وصلت هذه الرسالة إلى الأستاذ العقاد، وفيها هذا الوصف، فعرف أنها تعاني ضيقا نفسيا شديدا، فرد عليها برسالة يقول فيها: «عجبت حين قرأت كلماتك التي أرفقتها برسالتك وقد ذكرت أنك «وحدك في الدنيا» مع أنك «أنت هي الدنيا» بما فيها من نور ونار، ونجوم وأزهار، وجوهر ونضار، ونشوة ومتاع.»
ثم قال في أبيات بعنوان «أنت هي الدنيا»:
ناپیژندل شوی مخ