يا غرة العام جوزي الأفق صاعدة
إلى السماء بآمال المحبينا
أنى سألت لك الأيام صافية
يا «مي» قولي معي بالله آمينا (4) لمحات باسمة
جلست إلى الآنسة «مي» قبل مرضها الأخير مرات عدة في سنوات معدودات، وكانت جلساتها كعمر الورد قصيرة رقيقة، ولكنها طيبة عامرة. وكانت ذات ألوان شتى من الأدب العربي، والأدب الغربي، وذات ذكريات قديمة وحديثة. وكنت أنهل في هذه الجلسات من حلاوة الحديث، وصفاء النفس، ولطافة الحس، ما يذكرني بمجالس أختها الأديبة العربية «ولادة بنت المستكفي بالله» في القرن الخامس الهجري.
لم تحب «مي» حبا جسديا، ولكنها أحبت حبا روحيا عاطفيا تجلى في رسائلها للمرحوم جبران خليل جبران ورسائله إليها، وقد نشرتها مجلة «المكشوف» ببيروت منذ سنوات.
وهي تمتاز عن أية أديبة سبقتها بالخطابة، فقد كانت خطيبة بليغة صداحة، وكانت مؤثرة قوية التعبير على الرغم من احتفاظها بنبراتها الأنثوية.
حدثتني يوما عن أول مرة وقفت فيها على منصة الخطابة، وكان حديثها ممتزجا بالفكاهة والطرافة، فقالت: «لعلك تدهش إذا قلت إنني ما كنت أقدر أن أكون خطيبة يوما ما، فقد كنت أهاب الخطابة إبان نشأتي، وكانت فرائصي ترتعد كلما تمثلت نفسي واقفة على منبر أمام الجماهير، وحدث أن أنعم الخديو السابق على الأستاذ خليل مطران بالوسام المجيدي الثالث، فدعا سليم سركيس شعراء العالم العربي وأدباءه لتكريم هذا الشاعر الكبير، فبعث المرحوم جبران خليل جبران من أمريكا يساهم في هذا التكريم بكلمة تلقى بعنوان «الشاعر البعلبكي» صاغها في أسلوب قصصي.
وقبيل الحفلة زارني الأستاذ سليم سركيس، واقترح علي أن أقوم بإلقاء هذه الكلمة ليكون للتكريم معنى جديد باشتراك المرأة فيه، ووقوف فتاة عربية لأول مرة في العصر الحديث على منبر الخطابة.
هالني هذا التكليف، وترددت في قبوله، ولا أكتم أنني تهيبت هذا الموقف أمام أقطاب الأدب والعلم والوجاهة، وصارحت والدي بذلك فشجعني وأوصاني الأستاذ سركيس بأن أبيض وجهه!»
ناپیژندل شوی مخ