(الفن الأول: علم المعاني)
وهكذا أو عدل عما هو الشائع من جعل المعاني ظرفا للألفاظ إشارة إلى أنه ليس هاهنا لفظ خرج عن إفادة هذا المعنى لما قصد من إفادة أن العلم ليس أوسع من الفن كما هو شأن الظرف، بل كما لم يخرج لفظ من الفن عن بيان العلم، لم يخرج شيء من العلم عن الفن، فاختار للمبالغة فيه ما لا أبلغ منه، وهو دعوى العينية، والبعد عن الاثنينية، وبما عرفت أن الفن عبارة عن الألفاظ المخصوصة، وحمل علم المعاني عليه لدعوى الاتحاد لغرض ما اندفع ما يقال أن الفن باعتبار عهديته عين علم المعاني، فالحمل عليه لغو، واندفع أيضا أن العلم سابقا علم بعنوان علم المعاني دون الفن، وما هو معلوم أحق بالموضوعية، والأنسب بالمحمولية ما فيه شائبة المجهولية، وإنما صار علم المعاني أول لأنه متعلق بترتيب المعاني، والبيان متعلق بما يفيد المعاني المرتبة من الكلام المختلف وضوحا، وخفاء في المرام، والبديع لتزيين هذا الكلام، ولا يخفي ما فيه من الترتيب المقتضي لهذا النظام من غير حاجة إلى جعل البيان من المعاني بمنزلة المركب من المفرد، لمزيد اعتبار في البيان، وهو إيراد المعاني المرتبة في طرق مختلفة، فقد زيد على ترتيب المعاني المعتبر في علم المعاني الاختلاف في الوضوح، كما اعتبره السكاكي وتبعه الشارح المحقق والسيد السند، وإنما عرف أولا قبل الشروع في مقاصده لحفظ القاصرين عن توهم اتحاده مع الفن. قال الشارح المحقق: ولأن كل علم مدون فهي كثرة تضبطها جهة وحدة باعتبارها تعد علما واحدا تفرد بالتدوين، فمن حاول تحصيلها فعليه أن يعرفها بتلك الجهة لئلا يفوته ما يعنيه، ولا يضيع وقته فيما لا يعنيه، وهذا خلاف ما حقق أن جهة وحدة إفرد العلم بها بالتدوين، وصارت المسائل الكثيرة لأجلها علما واحدا هو الموضوع، فالأولى أن يقال: كل علم، فهي كثرة تضبطها جهة واحدة، ومن حاول تحصيل كثرة تضبطها جهة وحدة فعليه أن يعرفها بتلك الجهة.
مخ ۱۹۹