(ولها) أي للبلاغة في الكلام (طرفان: أعلى) إليه ينتهي البلاغة، كذا في الإيضاح، ولو اعتبر الطرف شخصا ففيه بحث، إذ ثبوت الطرف يتوقف على أن يثبت تناهي مراتبها، ولا دليل يدل عليه (وهو) أي الطرف الأعلى (حد الإعجاز) أي مرتبة إعجاز لكلام البشر، بأن يبلغ مرتبة لا يمكن للبشر أن يأتي بمثله (وما يقرب منه) أي من حد الإعجاز أي الطرف الأعلى نوع تحته صنفان: كلام يعجز البشر عن الإتيان بمثله، وقريب من حد الإعجاز بأن لا يعجز الكلام البشر، ولكن يعجز مقدار أقصر سورة عن الإتيان بمثله، وكلاهما مندرج تحت حد الإعجاز؛ لأن حد الإعجاز هو حد الإعجاز عن الإتيان بأقصر سورة، وبهذا اندفع # ما أورده الشارح المحقق من أنه لا معنى لجعل حد الإعجاز وما يقرب منه طرفان؛ إذ المناسب أن يؤخذ حقيقيا كالنهاية، أو نوعيا كالإعجاز، إذ قد أخذ نوعيا هو حد الإعجاز المعتبر في الشرع، وهو حد إعجاز أقصر سورة إلا أنه نبه على أنه صنفان: كلام يعجز نفسه، وكلام يعجز مقدار سورة من جنسه، وهذا أوجه مما ذكره الشارح المحقق، حيث قال: ومما ألهمت بين النوم واليقظة أن قوله وما يقرب منه عطف على هو والضمير في منه عائد إلى الطرف الأعلى، لا إلى حد الإعجاز، أي الطرف الأعلى مع ما يقرب منه في البلاغة مما لا يمكن معارضته هو حد الإعجاز، وهو مع كونه خلاف الظاهر بيان لحد الإعجاز بما يتوقف على معرفته، لأن ما يقرب منه بين بما لا يمكن معارضته، ولا معنى لحد الإعجاز إلا ما لا يمكن معارضته، وقد اعتذر هو نفسه أن هذا إلهام بين النوم واليقظة، الحمد لله الذي ألهمنا يقظان لا نومان، وما أيد به توجهه من أنه الموافق لما في المفتاح، من أن البلاغة يتزايد إلى أن يبلغ حد الإعجاز، وهو الطرف الأعلى، وما يقرب منه، ولما في نهاية الإيجاز أن الطرف الأعلى، وما يقرب منه كلاهما هو المعجز لا يخصه، بل له وجه موافقة لتوجيهنا، فإن كلام المفتاح نحمله على أن حد الإعجاز هو الطرف الأعلى المعجز بنفسه، وما يقرب منه المعجز أقصر سورة من جنسه، وكذا كلام نهاية الإيجاز، فتفطن. وقد اعترض الشارح على كون الطرف الأعلى وما يقرب منه معجزا خارجا عن طوق البشر بأن البلاغة ليست سوى المطابقة لمقتضى الحال مع فصاحته، وعلم البلاغة كافل بإتمام هذين الأمرين، فمن أتقنه وأحاط به لم لا يجوز أن يراعيها حق الرعاية فيأتي بكلام هو الطرف الأعلى، ولو بمقدار أقصر سورة، ولا يخفى أن الإشكال لا يخص بتكفل علم البلاغة، بل تكفل سليقة العرب أقوى، وأوجب للإشكال. ثم أجاب بأجوبة ثلاثة: الأولى: أن العلم لا يتكفل إلا بيان مقتضيات الأحوال وأما الاطلاع على كميات الأحوال وكيفياتها فأمر آخر. وثانيها: أن إمكان الإحاطة بهذا العلم لغير علام الغيوب محال. وثالثها: أن الإحاطة لا تفيد القدرة على تأليف كلام بليغ فضلا عن تأليف الطرف الأعلى، إذ كثيرا من مهرة هذا الفن كانوا عاجزين عن التأليف، وفي الجواب الثاني والثالث نظر؛ إذ لو لم يكن للبليغ # الإحاطة بعلم البلاغة لم يكن بليغا؛ لأن البلاغة ملكة الاقتدار على تأليف أي كلام بليغ خطر بالبال معناه، فإذا خطر بباله معنى لم يخطر بما تعلق به من علم البلاغة لم يقدر على تأليف كلام بليغ له، ولأنه إذا أحاط بعلم البلاغة ولم يقدر على تأليف كلام بليغ لم يكن بليغا، ولقد تركنا نبذا من الكلام ذكره الشارح المحقق في هذا المقام لما لم يشاهد فيه إلا الإطالة والإسآم.
(وأسفل) جعله طرف البلاغة إشارة إلى أنه بليغ، وقال في الإيضاح (¬1):
منه يبتدي لمزيد توضيح لذلك دفعا لما أوهمه كلام نهاية الإيجاز أن هذه المرتبة ليست من البلاغة في شيء وإن كان الظاهر أن قصده المبالغة في دناءتها وعدم الاعتداد بها (وهو ما إذا غير عنه إلى ما دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات) يعني ما يستلزم تغييره الالتحاق بأصوات الحيوانات مما قيل إنه يصدق على غير الأسفل؛ لأنه إذا غير إلى ما دونه التحق؛ لأن ما دون الأسفل ما دونه ليس بشيء، على أن دون لما هو أحط قليلا، وتحقيق الأسفل هو أنه ما ليس فيه مقتضى الحال متعددا، ولم يعرفه به مع أنه أوضح وأخصر لينبه على أن ما دونه ملتحق بأصوات الحيوانات.
قال المصنف: التحق وإن كان صحيح الإعراب ووافقه الشارح، وفيه أن غير صحيح الإعراب ليس أولى بالالتحاق، لجواز أن يكون صحيح الإعراب ضعيف التأليف، معقدا مع عدم فصاحة الكلمات، فالمناسب أن يقول: وإن كان فصيحا، فإن قلت: كيف يلتحق ما يشمل على الدقائق البيانية بأصوات الحيوانات؟ قلت: اعتبار الوضوح والخفاء في الدلالة بالنسبة إلى المعاني المجازية، وتلك المعاني أزيد من الدلالات الوضيعة، ومما يتعلق بعلم المعاني، فرعاية البيان لا ينفك عن رعاية المعاني.
مخ ۱۹۵