وأما ذكر الخلوص عن مخالفة القياس فمشكل؛ إلا أن يقال: لا خفاء في مزيد توضيح يتعلق بذكر الخلوص عن مخالفة القياس، فلا بأس بإراده، وإنما النزاع في وجوب اشتراط الخلوص عن الكراهة في السمع، ومنهم من جعل وجه النظر أن الكراهة إن أدت إلى الثقل فقد دخل تحت التنافر، وإلا فلا يخل بالفصاحة. وقال الشارح ضعفه ظاهره لأن عدم التأدي إلى الثقل لا ينافي الإخلال بالفصاحة ويجوز أن يكون الألفاظ الكريهة في السمع مما يحترز الفصحاء عن استعمالها، فلا تكون فصيحة، ويمكن أن يقال ملخص هذا الوجه أن الكراهة في السمع لو كانت مع الثقل تكون داخلة تحت التنافر، وإلا فلا نسلم استلزامه الإخلال بالفصاحة إذ لم يجد في إطلاقاتهم واعتباراتهم اشتراط الفصاحة بالخلوص عن كراهة السامع، ولا يخفى أنه لا يدفع منع إخلال الكراهة بالفصاحة جواز كونها مخلة، ومنهم من وجه النظر بأن ما ذكره القائل بوجوب ذكر، ومن الكراهة في السمع في بيانه فيه نظر، لأن كون اللفظ من قبيل الأصوات فاسد؛ بل هو كيفية الصوت كما عرف في موضعه، وقال الشارح ضعفه ظاهر لأن كلام المتن يدل على أن نفس الاشتراط منظور فيه، مع أن جعل اللفظ من قبيل الأصوات شائع في اختيارهم، حتى قالوا: اللفظ: صوت يعتمد مخارج الحروف، ولك أن تقول ملخص كلامه أن وجوب زيادة هذا القيد ممنوع لأن تعلق كراهة السمع باللفظ ممنوع، إلا أنه بين أن هذا المنع راجع إلى بيان هذا القائل؛ لأن المقدمة المثبتة إذا منعت يرجع منعها إلى دليلها، فاندفع ما ذكره من أن ظاهر كلام المتن أن نفس الاشتراط منظور فيه. وأما ما ذكره من أن مختار الأدباء أن اللفظ صوت، ووجوب الاشتراط مبني عليه، فدفعه أن للمصنف أن ينازع في الوجوب بناء على ضعف المبني، ومنهم من قال: إن مثل ذلك واقع في التنزيل، كلفظ ضيزى (¬1) ودسر (¬2) ونحو ذلك. قال الشارح: وفيه أيضا بحث؛ لأنه قد تعرض لأسباب الإخلال بالفصاحة ما يمنع # السببية فيصير اللفظ فصيحا، فإن الألفاظ تتفاوت باختلافات المقامات، كما سيجيء في الخاتمة، ولفظ ضيزى ودسر كذلك، هذا وفيه أنه يلزم حينئذ أن لا يكون التعريف للفصاحة جامعا لخروج فصيح غير خالص عن أسباب الإخلال مع وجوب ما يمنعها عن السببية، إلا أن يبالغ في التكلف، ويقال المراد بالخلوص أعم من الخلوص حقيقة، أو حكما، فإن المشتمل على مسبب الخلل مع مانع السببية في حكم الخالص.
[وفي الكلام خلوصه]
واعلم أن الوجوه المذكورة للنظر كلها راجعة إلى منع وجوب اشتراط الخلوص عن الكراهة في السمع بأسانيد مختلفة، فالمناقشة فيها مناقشة في السند الأخص عند التحقيق (و) الفصاحة (في الكلام خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات) أي الكلمتين فصاعدا، وإلا لكان الكلام المشتمل على تنافر الكلمتين الخالص عن جميع ما ذكر مع فصاحة كلماته فصيحا لصدق تعريف الفصاحة على خلوصه، وليس إضافة الكلمات إلى الكلام معتبرة إذ المقصود تقييد التنافر بما يميزه عن تنافر الحروف والمعاني، وذا لا يستدعي إضافة الكلمات إلى الكلام، فافهم وحينئذ في إرجاع ضمير فصاحتها إليه إشكال؛ لأنه يصير المعنى مع فصاحة الكلمتين فصاعدا، فلا يستفاد اشتراط فصاحة جميع كلمات الكلام، وتقيد التنافر بالكلمات للاحتراز عن تنافر المعاني، فإنه لا يخل بالفصاحة، وعن تنافر الحروف لقصد درج الخلوص عنه في قوله: مع فصاحتها.
(والتعقيد مع فصاحتها) ظرف لغو للخلوص أي كون الكلام خالصا زمان فصاحتها، وجعله الشارح حالا من الضمير، وبالجملة احترز به عن خلوص زيد أجلل، وشعره مستشزر، وأنفه مسرج، فإنه ليس بفصاحة، ولهذا ليست فصيحات، فإن قيل لزيد أجلل خلوص مع فصاحة الكلمات لأنه حال قولك زيد أجل، له خلوص عن الأمور المذكورة، فله خلوص حال فصاحة كلماته، فلو كان الفصاحة الخلوص حال فصاحة الكلمات لكان زيد أجلل فصيحا! ! قلت:
مخ ۱۷۰