(يوصف بها الأخيران) أي: الكلام والمتكلم، يقال: كلام بليغ، ورجل بليغ (فقط) أي لا المفرد، إذ لم يسمع مفرد بليغ، فقط اسم فعل بمعنى انته، والفاء مزيدة تزيينا للفظ، أو جزائية، والتقدير: إذا وصفت الأخيرين بها فانته # عن وصف الأول بها، ومما لا بد منه في هذا المقام معرفة المراد بالمفرد والكلام، فقيل: المراد بالمفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، وبالكلام ما يقابله سواء كان مركبا تاما أو غيره؛ لأن المركب الناقص يوصف بالفصاحة، فلا بد أن يكون داخلا في الكلام، وتعقبه الشارح المحقق بأن صحة هذا القول يتوقف على أن لا يكون وصف المركب الناقص بالفصاحة مجازيا من قبل فصل المركب بحال أجزائه، وأن يثبت منهم إطلاق الكلام الفصيح على هذا المركب، وأنه لا يكون داخلا في المفرد، وكل من الثلاثة ممنوع، بل الحق أنه داخل في المفرد، لأن المفرد إذا قوبل بالكلام يتعين لإرادة ما يشمل المركبات الناقصة، ونقح السيد السند هذا القول بما يندفع به المنوع الثلاثة، وينقلب ما جعله الشارح حقا بالباطل، وهو أنه أراد بتعليل تعميم الكلام بوصف المركب الناقص بالفصاحة، أنه يوصف بالفصاحة مع أنه لا يكفي في فصاحة ما ذكر في تعريف فصاحة المفرد بل لا بد معه من الخلوص عن تنافر الكلمات وضعف التأليف والتعقيد فلا يكفي في فصاحتها فصاحة الأجزاء حتى يكون وصفا بحالها، ولا يتوقف دخوله في الكلام على ثبوت إطلاق الكلام الفصيح بل يكفي إطلاق الفصيح لأنه بمجرد إطلاق الفصيح يعرف أنه داخل في الكلام، إذ لا بد فصاحته مما لا بد لفصاحة الكلام، ولا يصح دخوله في المفرد، لأنه لا يكفي في فصاحته ما بين فصاحة المفرد، وأورد عليه أنه لا يصلح تعريف فصاحة المفرد بإدخال هذا المركب في الكلام؛ لأنه بعد حمل لمفرد على ما لا يدل جزؤه على جزء معناه لدعوى تبادر هذا المعنى منه لاشتهاره، وحمل الكلام بقرينة المقابلة على ما يجمع المركبات الناقصة يتجه على تعريف فصاحة المفرد أنه لا يشمل فصاحة عبد الله علما، لأنه لا يكفي في فصاحته ما ذكر في تعريف فصاحة المفرد، إذ لا بد لها من الخلوص من تنافر الكلمات أيضا، إذ يتصور فيه ذلك التنافر فعلم أنهم غفلوا عن فساد تعريف فصاحة المفرد؛ لأنهم قصدوا بالمفرد ما يقابل المركب، وجعلوا المركبات مطلقا كلاما، ويمكن أن يدفع بأن تنافر الكلمات لا ينفك عن تنافر الحروف، لكنهم اشترطوا في فصاحة المفرد الخلوص من تنافر الحروف؛ لأنه لا قصد للمتكلم فيه إلا إلى جمع حروف بخلاف فصاحة الكلام فإن قصد إلى جمع الكلمات، # فناسب أن يشترط فيه التجنب عن التنافر في جمعها، والعلم في العلم العلمي ليس فيه جمع الكلمات، فهو داخل في اشتراط الخلوص عن تنافر الحروف، ودفعه بأن العلم المركب خارج عن حد الكلمة لاشتراط كونها لفظة مبني على نهاية الغفلة؛ لأن أحدا لم يجعله خارجا عن المفرد، ولا ينفع خروجه عن الكلمة دخوله في الكلام في هذا المقام.
بقي أنه يرد على تعريف فصاحة المفرد مفرد أريد به لازم بعيد، بحيث يختل الانتقال ، فينبغي أن لا يكون فصيحا؛ فتعريف فصاحة المفرد لا يصح بإخراج المركبات عن المفرد حتى يجعل قرينة على إخراجها! ! وغاية ما يمكن أن يقال لحمل المفرد والكلام على حقيقتهما وما يتبادر منهما: إن الموصوف بالفصاحة في الاصطلاح ليس إلا المفرد (¬1) المقابل للمركب مطلقا وإلا الكلام؛ لأن احتياجهم إلى الفصاحة لتوقف معرفة البلاغة عليها، ويكفي في معرفة البلاغة معرفة فصاحة الكلام المتوقف على معرفة فصاحة المفرد المقابل لمطلق المركب. ولا غرض يتعلق بالاصطلاح على معنى للفصاحة بحيث يشمل صفة المركبات الناقصة مثلا، ولا يخفى أن قوله: والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط يقتضي أن يحمل الكلام على حقيقته؛ لئلا يفيد وصف المركبات الناقصة.
قال الشارح المحقق: الدليل على أنه لا يوصف بالبلاغة غيرهما أنه لم يسمع كلمة بليغة، والتعليل بأن البلاغة إنما هي باعتبار المطابقة لمقتضى الحال لا يتحقق في المفرد وهم؛ لأن ذلك إنما هو في بلاغة الكلام والمتكلم. هذا وأورد عليه أن نفي كلمة بليغة لا يستلزم حصر الوصف في الكلام والمتكلم لاحتمال أن يوصف به مركب ناقص، ويدفعه أن النفي عن الكلمة على سبيل التمثيل، فالمناقشة عائدة إلى العبارة، وأورد أيضا أن التعليل الذي نسبه إلى الوهم أيضا ملخصه أن العرب لا تطلق البلاغة إلا باعتبار مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فمرجعه إلى قولك: لم يسمع كلمة بليغة، ويدفعه أن التبادر من العبارة أن بناء التعليل على تعريف القوم لا على التتبع وتزييفه لما هو المتبادر.
***
مخ ۱۶۰