194

أى جعله موصوفا بإيراد نعت له، ذكر التوابع على طبق ما يذكر فى الكلام إذا اجتمعت، قال الرضى: بدئ بالنعت ثم بالتأكيد ثم بالبدل ثم بالمنسوق ولم يذكر البيان لكمال التباسه بالبدل حتى قال: لم يظهر لى إلى الآن فرق بين بدل الكل وعطف البيان، والحق أنه بدل الكل كما هو ظاهر كلام سيبويه وقال الشارح المحقق: بدئ بالوصف لكثرة وقوعه واعتباراته، وإنما تكون هذه النكتة سرية لو كانت مرعية فى ذكر التوابع كلها (فلكونه) أى: كون الوصف بمعنى النعت، فالأوضح عبارة المفتاح فلكون الوصف (مبينا له كاشفا عن معناه) بين بقوله كاشفا عن معناه ما أراد بقوله مبينا له من بيان معناه دون نفسه فجعل عبارة الحكم مثالا له وهذا من البدائع التى قصده بعض أهل الأدب حتى جعل كتابا فى النحو كذلك بتمامه والمتبادر من المعنى هو المطابقى لكن لا ينبغى أن يحمل عليه؛ لأن الوصف الكاشف ربما يكشف عن معنى مجازى مراد، فالمراد: بالمعنى المقصود لكن أعم من المقصود لذاته؛ إذ ربما يحتاج المعنى الأصلى للفظ الكناية إلى كشف، لينتقل منه إلى المقصود لذاته ولا يجب فى الكشف أن يبلغ الغاية حتى يكون مظهرا للنكتة أو مميزا له عن جميع ما عداه، بل ربما يكون الكشف بوجه أعم، وقول المفتاح: كشفته كشفا كأنك جردته إنما هو تحقيق المثال لا وضع الضابط (كقولك: الجسم الطويل العريض العميق يحتاج إلى فراغ يشغله) كل من الأوصاف الثلاثة وصف كاشف يبين الجسم بوجه والمجموع وصف كاشف بالغ مرتبة الحد إما لجعلها بمنزلة وصف واحد بمعنى الممتد فى # الجهات الثلاث، وإما لجعل الوصف أعم من أن يكون واحدا أو متعددا، وقد تكلف بما لا يحتاج إليه من قال: المثال هو العميق؛ لأنه يساوى الجسم أو قال المثال هو الطويل الموصوف بالوصفين وهذا الوصف كاشف على مذهب السكاكى دون المصنف؛ فإن الجسم عند الأشاعرة قد يتركب من جزءين، فلا يكون عريضا عميقا.

قال الشارح فى شرح المفتاح: والمراد بالطول أزيد الامتدادين أو الامتداد المفروض أولا وبالعرض أنقصهما أو المفروض ثانيا، وبالعمق ما يقاطعهما، هذا ولا يخفى أنه لو فسر الطول بأزيد الامتدادين والعرض بأنقصهما لا يتناول الوصف جسما ليس فيه أزيد الامتدادين، وقد نبه بالمثال على أن النكات غير مختصة بوضع اللغة بل تجرى فى الأوضاع الاصطلاحية وإلا فالجسم فى اللغة هو جماعة البدن والأعضاء من الناس وسائر الأنواع العظيمة الخلق؛ كذا فى القاموس وفى الصحاح هو البدن قال السيد السند: من فوائد هذا الوصف الإشارة إلى علة الحكم وفيه أن علة الحاجة ليست الطول والعرض والعمق وإلا لما احتاج الجوهر الفرد إلى حيز (ونحوه) أى: نحو قولك (قوله) أى: قول أوس بن حجر الشاعر الجاهلى فى مرثية فضالة بن كلدة، فصله عنه تنبيها على التفاوت بينهما من وجهين أحدهما فى الكشف عن المعنى، فإن السابق بعينه تفصيل معنى الجسم، وهذا ليس بعينه تفصيل معنى الألمعى؛ لأن معناه الذكى المتوقد، وليس الوصف تفصيله بل بحيث لو تأمل فيه ينكشف معناه وهو أنه مصيب فى ظنه كأنه رأى المظنون أو سمعه ممن رآه، قالوا: وبمعنى «أو» أو المراد أنه رأى فى بعض الأوقات وسمع فى بعض الأوقات.

وثانيهما: أن:

الألمعى الذى يظن بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا

ليس من وصف المسند إليه بل وصف اسم إن فى البيت السابق أعنى:

إن الذى جمع السماحة والمر ... وءة والبر والتقى جمعا (¬1) # أو بتقدير أعنى أو مرفوع بالمدح، وخبر إن ما يأتى بعد عدة أبيات من قوله:

مخ ۳۳۶