(لكونها أحسنها ترتيبا وأتمها تحريرا وأكثرها للأصول جمعا) فقد بعد من قال الأولى أن يقول: أعظم ما صنف فيه من الكتب المشهورة نفعا لكونه أكثرها للأصول جمعا، ليكون كلاما مسجعا، ويكون قوله: (لكونه أحسنها ترتيبا وأتمها تحريرا) مشتملا على صنعة الموازنة والترتيب، جعل كل شيء من المجموع في مرتبته، والتحرير جعل الشيء حرا استعير لأخذ الخلاصة وإظهارها؛ فإن الكلام المقتصر على الخلاصة منزه عن ذل الاشتمال على الحشو، فكأنه حرر بالتحرير، وكون الكتاب أتم تحريرا عبارة عن كون أجزائه المحررة أكثر من محررات أخر، # فلا يرد أن التحرير لا يجامع الاشتمال على الحشو، فلا يتصور فيه النقصان حتى يجعل محررا أتم تحريرا من أخر؛ لأن الكلام للمحرر لا يجامع الاشتمال على الحشو، بخلاف الكتاب المحرر فإنه عبارة عما حرر فيه شيء، ومن لم يفرق بين الكتاب المحرر والكلام المحرر فسر الأتم تحريرا بأقرب إلى التمام. وقوله: (لكونه أحسنها ترتيبا وأتمها تحريرا) في تقدير لكون ترتيبه وتحريره أحسنها ترتيبا، أي أحسن ترتيبات الكتب وأتمها تحريرا، أي أتم تحريرات الكتب، ففي الكلام حذف مضاف ومعطوف، وقد فصل مثله فأجمل معرفته، وجميع الأصول مقدم على الترتيب إلا أنه أخره رعاية السجع، والمراد بالأصول إما الشواهد لأنها أصل القواعد، وإما القواعد لأن الأصل جاء مرادفا للقاعدة، وقوله: للأصول متعلق بجمعا قدر، وفسر بجمعا على نحو: وإن أحد من المشركين استجارك (¬1) فقوله جمعا عطف بيان للتمييز المحذوف، وذلك لأن النحاة لم يجوزوا تقديم معمول المصدر عليه، لأنهم جعلوا عمله لتأويله بأن مع الفعل، ومعموله فعل أن لا يتقدم عليه لأن أن ومدخوله كحرف كلمة شرط الترتيب فيها، فكما لا يجوز تقديم بعض حروف الكلمة على بعض لا يجوز تقديم شيء من مدخول أن عليه، ولذا أولوا كل معمول مقدم على المصدر بأنه معمول ما يفسره المصدر، وفيه أنه تكلف جدا مع ضعف الداعي إليه لوجهين: الأول: ما قال المحقق الرضي: (إنا لا نم إن) (¬2) المؤول بالشيء حكمه حكم المؤول به مطلقا، ويؤيد بأن أن مع الفعل لا بد له من فاعل، ولا يخلو عن الدلالة على زمان، والثاني ما ذكره الشارح المحقق إنا لا نسلم أن المصدر عند العمل في الظرف يحتاج إلى جعله في تأويل أن مع الفعل؛ لأن الظرف يكفيه رائحة الفعل لأن له شأنا ليس لغيره؛ لتنزله للشيء منزلة نفسه، لوقوعه فيه وعدم انفكاكه عنه، ولهذا اتسع في الظروف ما لم يتسع في غيرها، لكن فيما قاله الرضي نظر؛ لأن تأويل المصدر بأن مع الفعل ليصلح للعمل بتضمنه الفعل، فيجب أن يكون حكمه في العمل حكم هذا الفعل، أو دونه، ولا يثبت له عمل لا يتمكن هذا الفعل منه، فالحق جواز تقديم الظرف على عامله المصدر كما جوزه الرضي، وإن لم يكن لما جوزه فتأمل. لكن في كون # قوله للأصول ظرفا نظر؛ لأنه مفعول به زيد فيه اللام تقوية للعمل.
مخ ۱۴۹